يشيع في أوساط الغربيين والمغتربين ادعاء أن الإسلام قد ظلم الأنثى في الميراث، وأنه جعل للذكر مثل حظ الأنثيين بإطلاق وتعميم. ولو فقه هؤلاء وهؤلاء أسرار التشريع الإسلامي في الميراث لعلموا أن الأنوثة والذكورة ليست هي المعيار في التفاوت بين أنصبة الوارثين.. وإنما المعايير الحاكمة لذلك هي:
1- درجة القرابة بين الوارث والمتوفى , فكلما كان الوارث أقرب كان ميراثه أكبر, والعكس صحيح، دونما اعتبار لجنس الوارثين.
2- موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال, فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعد لتحمل أعبائها عادة يكون نصيبها من الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة وتتخفف من أعبائها, بل وتصبح أعباؤها عادة وشرعا مفروضة على غيرها، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة في الوارثين والوارثات, فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه-وكلتاهما أنثى- وترث البنت أكثر من الأب، وكذلك يرث الابن أكثر من الأب، وكلاهما من الذكور.
وفي هذا المعيار من معايير فلسفة الميراث في الإسلام حِكم إلهية بالغة, ومقاصد سامية تخفى على الكثيرين- وهي معايير لا علاقة لها بالذكورة ولا بالأنوثة على الإطلاق.
3- العبء المالي الذي يوجب الشرع الإسلامي على الوارث تحمله والقيام به إزاء الآخرين.. وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتا-ظاهريا-بين الذكر والأنثى.. لكنه تفاوت لا يفضي إلى أي ظلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها, بل ربما كان العكس هو الصحيح!
ففي حالة ما إذا اتفق الوارثون في درجة القرابة, وفي موقع الجيل الوارث- مثل أولاد المتوفى-يكون تفاوت العبء المالي هو السبب في تفاوت الميراث بين الأخ وأخته, ولذلك قالت الآية: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) [النساء-11], ولم تقل يوصيكم الله في مطلق الوارثين.. ذلك لأن الذكر هنا سيؤسس أسرة وينفق عليها.. بينما الأنثى سيعولها ذكر، وسيكون ميراثها ادخارا لجبر الاستضعاف الأنثوي، وللتأمين ضد المخاطر والتقلبات.. ولأن هذه هي فلسفة الإسلام في الميراث جاءت تطبيقها الواقعية امتيازا وتميزا للإناث على الذكور, على عكس ما يظن الجاهلون والمتجاهلون, فالاستقراء لحالات الميراث يقول لنا:
أ- إن هناك أربع حالات فقط ترث فيها الأنثى نصف ميراث الذكر.
ب- وهناك حالات أضعاف هذه الحالات الأربع ترث فيها الأنثى مثل الذكر تماما.
ج- وهناك حالات عشر-أو تزيد-ترث فيها الأنثى ولا يرث نظيرها من الذكور.
أي أن هناك أكثر من ثلاثين حالة ترث فيها الأنثى مثل الذكر, أو أكثر منه, أو ترث هي ولا يرث الذكر، في مقابل أربع حالات للذكر فيها مثل حظ الأنثيين!
تلك هي الحقائق الكبرى لفلسفة الإسلام في الميراث.
د. محمد عمارة