يعتبر جامع الزيتونة المعمور أقدم جامعة عربيّة إسلاميّة استمرت تؤدي دورها قرابة ثلاثة عشر قرنا متتالية دون انقطاع يذكر. فقد أكد المؤرخ حسن حسني عبد الوهّاب، هذه العراقة بقوله:” إنّ جامع الزيتونة هو أسبق المعاهد التعليميّة للعروبة مولدا وأقدمها في التاريخ عهدا”.
وظلّ جامع الزيتونة باعتباره مؤسسة علم وعبادة مزدهرا إلى أواخر العهد الحفصي ( 634هـ/981هـ- 1237م/1573م) حتّى أنّ العلامة عبد الرّحمان بن خلدون- الذي تتلمذ في جامع الزيتونة ودرّس به- اعتبره طليعة المؤسسات التعليميّة في المغرب الإسلامي خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين، حيث كان التعليم فيه يشمل التعليم الإسلامي الأدبي والديني والفلسفة وعامة العلوم العقليّة والرياضيّة وخصوصا الطب والفلك والرياضيّات. وعرف نظام التعليم بجامع الزيتونة- منذ أواخر العهد الحفصي- مرحلة طويلة من التراجع جرت خلالها محاولات عديدة لإصلاحه تتلخص كما يلي :
_قام أحمد باي الأوّل بتنظيم التعليم بجامع الزيتونة بمقتضى الأمر المؤرّخ في نوفمبر 1842 واصدر بذلك مرسوما لا يزال للان وتلي هذا المرسوم في يوم مشهود ووضع في إطار وعلّق داخل باب الشفاء المعروف بجامع الزّيتونة. واقتضى هذا المرسوم انتخاب هيئة من العلماء تتركّب من 15 عالما من المالكيّة ومثلهم من الحنفيّة على أن تلقى الدّروس في كلّ يوم عدا يومي الخميس والجمعة
_ أصدر الوزير الأكبر المصلح خير الدين باشا الأمر المؤرخ في 27 جانفي 1876 الذي أعطى دفعا جديدا للتعليم الزيتوني، غير أن الأمر بقي حبرا على ورق بالنسبة إلى تدريس العلوم العصريّة التي أراد خير الدين إدخالها في برامج التعليم الزيتوني وذلك بسبب معارضة بعض كبار الشيوخ المحافظين.
_ حرصت السلطات الاستعماريّة – طوال فترة سيطرتها على تونس (1881-1956) – على فرض سياستها التربويّة على الزيتونة لتهميشها وإخماد صوتها، باعتبارها معقلا من معاقل المقاومة الثقافية ضدّ التسرّب الاستعماري والتأثير الفرنسي في البلاد فتعمدت القوات الاستعمارية الى تضييق الخناق على التعليم الزيتوني و التقليل من موارده ورغم ذلك تواصلت وتيرة المطالبة بإصلاح التعليم بالجامع الأعظم وقد صدرت مجموعة من التراتيب تلبية لمطالب الحركة الوطنيّة و التحركات الطلابية الزيتونية أهمّها :
_سبتمبر 1912: ترتيب جديد ينظّم التعليم الزيتوني ويقسّمه إلى ثلاث مراحل:
– المرحلة الابتدائية: تنتهي بشهادة الأهلية.
– المرحلة المتوسطة: تنتهي بشهادة التحصيل.
– المرحلة العليا: تنتهي بشهادة العالميّة.
_أفريل 1933 : تطوير برامج التعليم مع تغيير تسمية شهادة التطويع بالتحصيل في العلوم
_أفريل 1951 : بعث الشعبة العصرية: إحداث شهادة التحصيل العصريّة في جزئين شبيهة بشهادة الباكالوريا.
غير أنّ هذه الشعبة العصريّة الزيتونيّة أخذت في التراجع بشكل ملحوظ منذ السنة الدراسيّة 1959/1960، تبعا لتوسّع نظام التعليم الثانوي الموحّد الذي بدأت الحكومة التونسيّة تنفّذ برامجه تدريجيا بداية من أكتوبر 1958
اثر حصول تونس على استقلالها الوطني، صدرت في شأن مؤسسة الجامع الأعظم الأوامر التالية:
_26 أفريل 1956: بعث الجامعة الزيتونيّة.
_30جوان 1958: الإعلان عن إصلاح التعليم العمومي وتوحيد برامجه، أصبحت بمقتضاه الفروع الزيتونيّة مدارس إعدادية مدمجة في صلب التعليم الثانوي العمومي.
_4 نوفمبر 1958: اصدار وثيقة الغاء التعليم الزيتوني بجامع الزيتونة و توحيد التعليم الزيتوني بالتعليم العمومي
وبعد تأسيس الجامعة التونسية في31 مارس 1960 ، التي أصبحت تضم معاهد عليا وكليات عديدة، تمّ في 1 مارس 1961 بعث” الكليّة الزيتونيّة للشريعة وأصول الدين” (خلفا للجامعة الزيتونيّة) التي أصبحت إحدى مكونات الجامعة التونسيّة.
_ 27أكتوبر 1961: تمّ ضبط برامج الإجازة في الشريعة وأصول الدين.
_15فيفري 1980: تمّ ضبط مهام الكلّية الزيتونية للشريعة وأصول الدين وتنظيم الدراسة بها في المراحل الثلاث التي لا تزال تدرس الى الان
المراجع :
– موقع جامعة الزيتونة
– ارشيف وزارة التربية غرفة وثائق التعليم الزيتوني