ghazaliينظر المسلمون إلى الأفق ثم يناجون ربهم بهذاالدعاء  اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ? هلال يمن وبركة إن شاء الله وجاء فى الحديث أن الرسول الكريم كان يشير إلى الهلال ويقول: `ربى وربك الله كأنه يشرح قوله تعالى: “قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إ لا عليها”. إن الذى زحم الأرض بالبشر زحم السماء بالكواكب ومن بينهما الشمس والقمر يديرها فى أفلاكها كيف شاء فهى تعنو لمجده وتسبح بحمده وعلى أبناء آدم أن يقدروا ا لله حق قدره ? وأن يصلوا مع حركات الشمس وأن يصوموا مع حركات القمر.

ونحن المسلمين نؤدي برضا وسرور الفريضة التى كتبها الله علينا عالمين أننا ننفرد دون الناس كلهم بهذه العبادة  فغيرنا يترك بعض الأطعمة ويتناول أخرى أما نحن فنغلق الأفواه عن كل طعام ونكبت الشهوة الجنسية ونعلن سيطرة الروح على الجسد ونصوغ سلوكنا فى قالب من السكينة والأدب فلا لغو ولا رفث ولا غيبة ولا عدوان..! عندما كان أبونا `آدم ` فى الجنة كان عنده ضمان ضد الجوع والعرى ? والكدح والعرق المتصبب “إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها و لا تضحى”. لكنه ضعف وخضع لشهوته فكلفنا نحن أن نربى أنفسنا على قوة الإرادة والسيطرة على الأهواء حتى نكون أهلا للخلود فى دار النعيم. والواقع أن الحضارة الحديثة بقدر ما أحرزت من تقدم علمى خضعت لمختلف الشهوات فشرعت تنحدر وتناوشه العلل والأسقام ولن تنقه حتى تخضع لأمر الله وتحسن الصلاة والصيام ? وتستعد للقاء.الخالق الكبير.
قال سلمان الفارسى رضى الله عنه: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أخر يوم من شعبان فقال: ` يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك, شهر فيه ليلة خير من ألف شهر, شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا. من تقرب فيه بخصلة كان كمن أدى فريضة فيما سواه ? ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه. وهو شهر الصبر ? والصبر ثوابه الجنة. وشهر المواساة ? وشهر يزاد فيه رزق المؤمن ? من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتقا لرقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء! قالوا: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم!. قال رسول الله: يعطى الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن. وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وأخره عتق من النار. من خفف عن مملوكه خادمه فيه غفر الله له..`. إن شهر رمضان موسم قربات وموعد سباق كبير إلى الرضوان والخلود ينتظره الأتقياء كما ينتظرالأغنياء الذهاب إلى المصايف لتمتيع أنفسهم ? لكن المتعة هنا علاقة حية بالله وظفر بروحانية عالية ونعيم مقيم مع الله فى حديث لرسول الله `الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة. يقول الصيام: أىرب منعته الطعام والشهوة فشفعنى فيه ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعنى فيه .قال: فيشفعان.`
العبادات لابد منها لنجاة الإنسان وصقل روحه وزكاة نفسه ? وهى تذكر بالله ونعمه وحقوقه ? ويستحيل التفريق بينها ? بل تؤدى كلها مجتمعة؛ فلا صلاة بدون صيام و لا صيام بدون صلاة. وكلتا العبادتين أساس للتسامى وباعث على القبول الإلهى.
كنت أتابع يوما درسا فى عالم الأفلاك حيث تسبق الأعداد شطحات الخيال وتقاس المسافات بأرقام هائلة  وتضاءلت فى نفسى ثم عدت إلى مواقع الأقدام من أرضى ونظرت إلى ما تحت الثرى وعلمت أنى لا أدرى ولا أرى! قلت: ترى ما هناك فى أعماق هذه الكرة حتى النقطة المكشوفة من سطحها فى الجانب الآخر المقابل لى  أشياء كثيرة نجهلها كل الجهل. قلت: لكن الله وصف نفسه فقال: “الرحمن على العرش استوى له ما في السماوات وما في الأرض و ما بينهما و ما تحت الثرى و إن تجهر بالقول فإنه يعلم السر و أخفى الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى“. إن اللمعة المضيئة عند سدرة المنتهى كالحبة المستخفية فى ظلمات التربة سواء فى علمه تبارك اسمه وهو علم مسطور فى سجل دقيق منذ الأزل. وملأت أقطار نفسى عاطفة إعجاب بهذا الخالق الأعلى.
بيد أن الكلمات المعبرة تقاصرت ثم احتبست وشاء ربى أن يلهمنى كلمات تنفس عما بى ? فإذا الكلمات المعبرة فى حديث رواه على بن أبى طالب يصف صلاة النبى عليه الصلاة والسلام جاء فيه:`.. وإذا
ركع يقول فى ركوعه: اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت. خشع لك سمعى وبصرى ومخى وعظمى وعصبى. وإذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده ? ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شئ بعد. وإذا سجد يقول فى سجوده: اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت. سجد وجهى للذى خلقه وصوره وشق فيه سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين `. فى هذه المناجاة ترى الألوهية الكاملة والعبودية الكاملة ? بين يدى بديع السماوات والأرض يجثو عابد ملهم فيهمس فى ركوعه وسجوده بكلمات تصور ما ينبغى أن ينطق به كل فم تحية لذى الأسماء الحسنى.. ذاك فى الصلاة. أما فى الصيام فنحن عند تناول الفطور نعوض ما فاتنا من طعام الغداء.  وقد نتوسع فى ذلك إلى حد الإسراف.  لكن محمدا انفرد بعبادة لا يقوم بها غيره! إنه لا يفطر مع الناس أحيانا إنه يواصل الصيام يوما آخرأو يومين! يقول للناس: `إنكم لستم كهيئتى ? إننى أبيت عند ربى يطعمنى ويسقين `وهذه عبارة تصور قدراته الروحية الفائقة  فإذا كان بعض الناس عبيد بطونهم فهو فوق هذا المستوى المادى وأرفع قدرا وتزودوا..
يستعد المؤمن لرمضان قبل مقدمه: كيف يحسن صيامه وقيامه؟ كيف يخرج منه مغفور الذنب مضاعف الأجر فإن الشهر الكريم تدريب على الطاعة وترشيح للتقوى كما فال تعالى: “كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” ومن الخطأ تصور الاستعداد بأنه تدبير النفقات وتجهيز الولائم للأضياف. إن هذا الشهر شرع للإقبال على الله والاجتهاد فى مرضاته وتدبر القرآن وجعل تلاوته معراج ارتقاء وتزكية ? إنه سباق فى الخيرات يظفر فيه من ينشط ويتحمس! عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ` أعطيت أمتى فى شهر رمضان خمسا لم يعطهن نبى قبلى أما الأولى فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان ينظر الله عز وجل إليهم. ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبدا يعنى يختار الله الأكثر إقبالا ونشاطا وحماسا فيخصه بنظرة رضا لا يشقى أبدا بعدها وأما الثانية فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك ? وأما الثالثة فإن الملائكة تستغفر لهم فى كل يوم وليلة مصداق قوله تعالى: ” تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم” وأما الرابعة فإن الله عز وجل يأمر جنته فيقول لها: استعدى وتزينى لعبادى! أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى دارى وكرامتى ? وأما الخامسة فإنه إذا كان آخر ليلة غفر الله لهم جميعا فقال رجل من القوم: أهى ليلة القدر؟ فقال : لا ألم تر إلى العمال يعملون فإذا فرغوا من ` أعمالهم وفوا أجورهم؟

والمهم فى الصيام والقيام أن يصحبهما اليقين وتحمل التعب لوجه الله تعالى. ولذلك صرحت الأحاديث بأن استحقاق الأجر لا يكون إلا مع شرطين ? قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ` من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ` وقال: `من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ` ? وإذا استحق مؤمن المغفرة بأحد العملين فإن العمل الثانى تضاعف به حسناته وينضاف إلى رصيد الخير عنده ? وحفزا للهمم على الاشتراك فى هذا السباق جاء فى الحديث: `إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وينادى مناد من قبل الحق يا باغى الخير أقبل ويا باغى الشر أقصر! ` أحيانا يدخل المرء
سوقا تباع فيها السلع الغالية بثمن زهيد هكذا رمضان فرصة للتزود بالخير الكثير وذاك سر..النداء يا باغى الخير: هلم.

 

الشيخ محمد الغزالي

من admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *