يمثل الرقي بأوطاننا وأمتنا حلما يراودنا جميعا، إلا أن أغلب الناس يعتقد أن هذا فقط مسؤولية السياسيين والنخب ويتغافلون عن دورهم في النهوض الحضاري. فمسؤولية التغيير مسؤولية جماعية تتحملها جميع مكونات المجتمع.
وليكون للفرد دور في صناعة الحضارة لا بد أن يكتسب الفعالية الحضارية، ويمر ذلك عبر تحرير العقل والروح .
تحرير العقل يكون ب:
– مراجعة نظام القناعة السلبي : تفسير الأوضاع بالمؤامرات ، ثقافة التبرير…
– تعديل نظام القناعات : التدبر في الكون والإجابة عن الأسئلة الكبرى : من أنا ؟ ومن خلقني ؟ وماهو دوري في الكون ؟ وماهو مصيري ؟ وماذا أفعل لأحقق دوري وليكون مصيري إيجابيا ؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة تجنب الإنسان الوقوع في الانفصام بين عالم الأسباب وعالم الغيب فتكون نظرته متكاملة في الحياة : يكمل الجانب الروحي الجانب العقلي ، ويكمل الجانب المحسوس الجانب الغيبي، بالدنيا نزرع للاخرة ، والآخرة تحفزنا لنعمر الدنيا .
– التحرر من سلطة القديم وسلطة القائم : مراجعة كل الأفكار القديمة و السائدة و عرضها على محك العقل و التجربة . فسلطة القائم وسلطة القديم تتظافران لتثبيت الخمول المعرفي والعملي للفرد.
– التحرر من الأفكار المميتة : الجبر ، الاستسلام، الرهبانية واعتزال الدنيا …
– تحديد الرؤية: لا بد أن يكون للإنسان هدفا واضحا يريد الوصول إليه مع وضع تخطيط محدد لبلوغه. كلما كان الهدف ضبابيا، قل الجهد لبلوغه وضعفت المردودية.
يقول المفكر التركي فتح الله كولن :
“أصبحت الخطَّة من أهم المسائل في أيامنا الحالية. فأصبحت الدول والأمم تهتمُّ بالتخطيط في كلِّ شيء كأساس مهمٍّ في التنمية وفي حركة النهوض… ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم، يملك كومبيوتراً ولا عقلاً ألكترونيًا ولا هيئة تخطيط، ولكنَّه كان يعطي القرارات الصائبة في التو واللحظة ثم يخطو لتنفيذها… كان يعطي قراراته لمسائل بعُمْر مئات من السنين، ولم يكن يترك أي مشكلة في أيِّ مسألة من هذه المسائل… وكلُّ تفاصيل حياته شاهدةٌ على ما نقول” (1)
– التفكير والعمل وفق قانون الأسباب : كلما كانت منظومة الأسباب مشوشة في العقل كان الانفصام بين الفكر والعمل ، يقول العلامة إبن خلدون : ” أول الفكر نهاية العمل و أول العمل نهاية الفكر ” أي أول ما يفكر فيه الإنسان عندما يهم بعمل هي النتيجة النهائية وآخر ما يفكر فيه هو أول خطوة عملية نحو هذه النتيجة ، فإذا اختل قانون الأسباب ستبقى كل الأماني معلقة دون بداية تطبيقها من خلال الشروع في المرحلة العملية الأولى للإنجاز.
أما تحرير الروح فيكون ب;
– اكتساب المعنى : إذا اكتسبت الحياة معنى يصبح العمل البسيط مهما لأنه يغير العالم في إتجاه هذا المعنى، أما إذا غاب المعنى في الحياة تصبح الأعمال الجبارة عبثا .
يقول الدكتور جاسم سلطان :
” إن الوقود الحقيقي لكل إنسان يكْمن في جانبين: الأول هو الشعور بالمسؤولية، أي أنه يعلم أنه سيقع في دائرة المسؤولية والحساب من قبل ضميره أو مجتمعه وأقواها من ربه جل وعلا، وكلما تعمّق هذا الشعور كلما كان دافعه للعمل الصحيح أكبر، والثاني هو توجيه الطاقة نحو فعل محدد ومجال خير معلوم.”(2)
– بعث مساحات الأمل : عندما يتأمل الفرد في واقع مجتمعه قد يصاب بالإحباط واليأس من هول المشاكل التي يعاني منها في جل المجالات. و إذا اعتقد أن التغييرمستحيل فلن يقوم الفرد باي جهد في سبيله، لذلك لا بد من زرع الأمل في النفوس من خلال تبين تجارب تاريخية لأمم انطلقت من أوضاع أسوأ من اوضاعنا لتنجح في تحقيق نهضتها ( الصين ، اليابان ، اوروبا …) لكن يجب أن يكون ذلك دون الإستهانة بحجم الصعوبات التي يجب أن نتحداها للرقي .
يقول حسن البنا :
“أحبّ أن تعلم يا أخي قبل أن أتحدّث لك عن هذه الوسيلة أنّنا لسنا يائسين من أنفسنا، وأنّنا نأمل خيرًا كثيرًا، ونعتقد أنّه لا يحول بيننا وبين النّجاح إلاّ هذا اليأس، فإذا قوي الأمل في نفوسنا فسنصل إلى خير كثير إن شاء الله تعالى؛ لهذا نحن لسنا يائسين، ولا يتطرّق اليأس إلى قلوبنا والحمد لله. وكلّ ما حولنا يبشِّر بالأمل، على الرّغم من تشاؤم المتشائمين…” (3)
شمس عروة
———————-
الهوامش :
1- فتح الله كولن : النور الخالد
2- جاسم سلطان : بداية جديدة .
3- حسن البنا : مجموعة الرسائل، رسالة دعوتنا