أجر التطوع ثواب كريم
في البداية؛ يقول الدكتور محمد رأفت عثمان؛ أستاذ الفقه المقارن، وعميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر يالقاهرة: إن القيم التي يحملها المجتمع العربي والإسلامي ساعدت على تعميق روح العمل التطوعي فيه، ولذلك نحن لا نربط التطوع بمساعدة الآخرين بمفهوم الصدقة، كما يفعل الغرب، ولا نفصل بينهما؛ لأن الدين الإسلامي لا يدعو لذلك الفصل، وهو المؤثر الأساسي في هذه المجتمعات.
وفي تصريحات خاصة لـ(فور شباب)؛ يوضح الدكتور رأفت عثمان، أن التطوع يكون بطريقين هما: التطوع مقابل العمل بأجرٍ دنيوي، أو التطوع بمعنى ما هو فوق الواجب، وبالطبع ليس في الإسلام مطلقًا ما يسمى عملا تطوعيًا بلا أجر، فالله (سبحانه وتعالى) يقول: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) (الزلزلة: 7)، فحين نقيس أي عمل إلى وعد الله (سبحانه وتعالى) من الثواب الكريم لعباده المحسنين، لا يكون عندنا عمل تطوعي أصلًا؛ لأن كله عمل بأجر.
وفي القرآن الكريم هناك آيات كثيرة دالة على ذلك؛ كما في قوله (سبحانه وتعالى): (وتَعَاونُوا عَلى البِّرِ والتَقوَى..) (المائدة: 2)، وقوله أيضًا: (فَمَن تَطَوّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لّهُ) (البقرة: 184)، كما تحدث الكثير من الأحاديث عن هذا الموضوع، ومنها قوله (صلى الله عليه وسلم): “كل سُلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس، تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل على دابته، فتحمله عليها، أو ترفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة” متفق عليه.
ويؤكد عثمان، أن كافة صور العمل التطوعي في المنظور الإسلامي مرتبطة بعقيدة الإيمان بالله (تعالى)، وأن هذا الارتباط هو الذي يوفر لها القوة المعنوية، والطاقة الروحية، اللازمة لدفع الفرد للقيام بها طائعًا مختارًا، ولا تستبعد الرؤية الإسلامية أي عمل، مهما صغر حجمه، أو قلت قيمته، ابتداءً من “إماطة الأذى عن الطريق”؛ التي عدها الرسول (صلى الله عليه وسلم) أدنى شُعَب الإيمان، وصولًا إلى التضحية بالنفس في سبيل الله (تعالى)؛ دفاعًا عن الدين والوطن.
ويتابع، الحقيقة أن من خصائص “الرؤية الإسلامية” أنها تقدم مجموعات متكاملة من “الأفكار- القيم- والفضائل”؛ التي تتعدد في صيغها، وتختلف في وسائل التعبير عنها، وتتباين في مجالات عملها، غير أن كل مجموعة منها تظل في مجملها منتمية إلى منظومة واحدة، تحقق هدفًا أو أكثر، من أهداف الفرد أو المجتمع، أو هما معًا.
وينطبق هذا الكلام على “منظومة العمل التطوعي”؛ حيث نجد عديدًا من الأفكار والقيم والمبادئ والأخلاقيات التي نص عليها الإسلام، منها الصدقة، والبر، والإحسان، والتطوع، والنذر،… إلخ، وهي تشمل في مجموعها منظومة متكاملة من الجهود والأعمال؛ التي تشترك في كونها “تطوعية”، ونابعة من الإرادة الحرة للفرد، وبمبادرة ذاتية منه، ودون إكراه من أية سلطة، اجتماعية أو سياسية.
تجارة مع الله
متفقًا مع الدكتور رأفت عثمان؛ يقول الدكتور أحمد ربيع؛ عميد كلية الدعوة بجامعة الأزهر، في تصريحات خاصة لـ(فور شباب): على كل المسلمين أن يعلموا أن العمل التطوعي – في حد ذاته- هو تجارة مع الله (عز وجل)، ولنا في صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) القدوة والمثل؛ فها هو الصحابي الجليل عثمان بن عفان (رضي الله عنه) يقوم بتجهيز جيش العسرة؛ حيث تبرع بثلث ماله؛ لتجهيز الجيش المسلم المتوجه لغزوة تبوك.. والذي سُمي بجيش عثمان، وعبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه) وبذله لماله في خدمة الإسلام والمسلمين، في حياة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، وبعد وفاته، وإذا كانت التجارة والثروات تُحصى برصيدها وأرباحها، فإن ثروة عبد الرحمن بن عوف كانت تُعرف بما كان ينفق منها في سبيل الله (تعالى).
كما لا يمكن أن ننسى دور النساء في الإسلام، في العمل التطوعي، وكانت على رأسهن السيدة خديجة بنت خويلد (أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها)، والتي بذلت جهدها ومالها في مؤازرة الرسول (صلى الله عليه وسلم)؛ وقد قال عنها (صلي الله عليه وسلم): “واستني بمالها إذ حرمني الناس”.
وأيضًا منهن أم المؤمنين زينب بنت جحش (رضي الله عنها)؛ التي قال عنها الرسول (صلى الله عليه وسلم): “أسرعكن لحاقًا بي أطولكن يدًا” رواه مسلم؛ والمقصود بطول اليد: كثرة مدّها بالعطاء للفقراء، فقد كانت (رضي الله عنها) تعمل بيدها وتتصدق على الفقراء.
كل هذه الأمثلة تعلمنا أن العمل التطوعي تجارة مع الله، وأنه لا يضيع هباءً، كما يزعم البعض، وإنما يكون نورًا للعبد يوم القيامة، ومعنى ذلك أيضًا أن “التطوع” – بمشتملاته ومكوناته- ليس أمرًا ثانويًّا أو هامشيًّا في الحياة الاجتماعية للإنسان (فردًا كان أو مجتمعًا)، وإنما هو مكوِّن أصيل من مكوناتها، كما أنه – في الوقت نفسه- أداة من أدوات تحقيق غايتها، وتلبية احتياجاتها المادية والمعنوية.
وتعاونوا على البر والتقوى
ويبدأ الدكتور محمد المختار المهدي؛ الرئيس العام للجمعية الشرعية الرئيسية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية، حديثه حول أهمية العمل التطوعي في الإسلام، بالتذكير بقوله (تعالى): (وتَعَاونُوا عَلى البِّرِ والتَقوَى…) (المائدة: 2)، وبقول رسوله (صلى الله عليه وسلم)؛ في الحديث الشريف: “إن لله عبادًا اختصهم بقضاء حوائج الناس، حببهم في الخير، وحبب الخير إليهم، أولئك الناجون من عذاب يوم القيامة”، مشددًا على أن الصدقة في الدولة الإسلامية اتخذت صورة مؤسسية، في شكل الأوقاف، وفي صورها المختلفة من خلال المساجد، والوقف الاستثماري لدعم المساجد ودور العلم، كما هو الحال في دواوين الزكاة، في العديد من الدول الإسلامية.
وانتقد الدكتور مختار المهدي، في تصريحات خاصة لـ(فور شباب): انحصار مفهوم العمل الطوعي والمنظمات الطوعية، في عالمنا العربي وخارجه، على العمل الفردي أو الجماعي غير المنظم، عند الكوارث والملمات، مشددًا على أن “العمل التطوعي يجب ألا ينحصر في جوانب محدودة للمجتمع والإنسان، بل يجب أن يتسع ليشمل كل المجتمع، وكل الإنسان، وحقوقه الأساسية، في الحياة والسلام والحرية، وليشمل حقوقه الاجتماعية، من مأكل ومشرب ومسكن وملبس وصحة وتعليم، وحقوقًا اقتصادية، أهمها الحق في العمل والأجر والراحة والعطلات، وليشمل كذلك الحقوق السياسية والمدنية كافة، بما فيها الحق في المساواة أمام القانون، وحق التنمية.
ويوضح المهدي، أن العمل التطوعي – بهذه الأهداف الواسعة- يتعدى المفهوم التقليدي للعمل الخيري، فلا ينحصر في مساعدة ودعم المجموعات الخاصة المستضعفة، مثل المعوقين والأيتام والأرامل والمشردين، وفي محاربة الفقر فقط، وهو ما يجب علينا بحثه ونقاشه في مجتمعنا العربي، والاستفادة في ذلك من التقنية الحديثة في مجالات الإعلام (الفضائيات)، وشبكة الإنترنت، وغيرها من وسائل الاتصال.
ودعا الدكتور المهدي، لتشكيل مفهومٍ موحدٍ للتطوع، يعكس وجهة النظر العربية، ويبرز خصوصية مجتمعاتنا وعقائدنا وعاداتنا السمحة، ويكون لنا المرجع للعمل من خلاله، عندها فقط، نستطيع أن نؤثر و نتأثر إيجابيًا، بدلًا عن أن نكون في وضع المتأثر سلبيًا، أو المتلقي فقط.
التطوع في ميزان الإسلام
ومن جهته؛ يؤكد الدكتور عبد الفتاح إدريس؛ أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بجامعتي الأزهر والإمارات، أن عظمة العمل التطوعي وثواب أجره الكبير يأتي لكون المرء يتطوع بأدائه، فهو عمل لم يفرضه عليه الشارع الحكيم بنص, ولم يفرضه المرء على نفسه بنذر, ولم يجب عليه كفارة من جرم اقترفه, وإنما يأتي به من تلقاء نفسه، من غير إيجاب عليه من أحد.
وفي تصريحات خاصة لـ(فور شباب)؛ طالب الدكتور عبد الفتاح إدريس الأمة الإسلامية، بألا تحصر العمل التطوعي في مجال العبادات؛ وقال: “لا بد أن يمتد العمل التطوعي ليشمل جانب المعاملات وغيرها؛ مثل الحفاظ على عناصر البيئة والموارد المهدرة، وتحقيق الأمن المادي أو المعنوي للناس، ومساعدة ذوي الحاجة، وإسعاف من هم في حاجة إليه، وإرشاد الناس وتبصيرهم بخطر يُحدق بهم, وتعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم, وإن لم يتعين ذلك كله على فاعله.
وأشار الدكتور إدريس، إلى حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؛ عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: “إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مساءته”.
وأوضح الدكتور إدريس، أن هذه الأعمال التطوعية هي من قبيل النوافل؛ التي بين الحق (سبحانه وتعالى) الجزاء العظيم على فعلها، يضاف إلى هذا أن الشارع رتب على كل عمل يتطوع المرء بأدائه جزاءً خاصًّا، غير ما سبق؛ ومن ذلك على سبيل المثال:-
ما ورد في الحفاظ على البيئة، وإماطة الأذى عن عناصرها، ما رواه أبو هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: “الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة: فأفضلها قول لا إله إلا اللَّه، وأدناها إماطة الأذى الطريق، والحياء شعبة من الإيمان” متفق عَلَيْهِ.
وما ورد في معاونة من هو في حاجة إلى معونة؛ ومساعدة ذوي الحاجة؛ ما روي عن ابن عمر (رضي الله عنهما) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: “إن لله عبادًا خلقهم لحوائج الناس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون يوم القيامة”.
وما رُوي عن ابن عمر (رضي الله عنهما) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة”.
وما ورد في إرشاد الناس إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم؛ ما رُوي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: “أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) رجل يستحمله، فلم يجد عنده ما يتحمله، فدله على آخر، فحمله، فأتى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فأخبره، فقال: إن الدال على الخير كفاعله”.
وما ورد في بذل النصح لهم, فقد رُوي عن تميم الداري (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “الدين النصيحة, قلنا: لمن؟, قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”.
واختتم الدكتور عبد الفتاح إدريس حديثه، قائلا: “هذه النصوص وغيرها تدل على أن ما يتطوع به المرء من أعمال صالحة، سواء كانت عبادة أم معاملة، يُجزَى عليها الجزاء الحسن، وليس هناك عمل صالح يؤديه المرء في الإسلام ولا يُجزَى عليه، لأن نظام العمل في الإسلامي يقوم على أساس الإثابة على العمل الصالح, والعقاب على نقيضه، وهو ما يعرف بمبدأ “الثواب والعقاب
المصدر : http://www.4shbab.com/