بقلم:سمية شفيق
رمضان شهر الطاعات.. من ينكر؟ رمضان شهر الخير.. من يُنكر؟ رمضان شهر الكرم.. من يُنكر؟ فإن قُلت رمضان شهر الزيادة.. هل لديك اعتراض؟
زيادة في البركة من الله، زيادة في الطاعات، زيادة في الصلوات،زيادة في صلة الأرحام، زيادة في التخمة – من فضلك لا تُنكر- زيادة في الاستهلاك ! حدث و لا حرج. أما ما كان زيادة في دين المرء، في علاقة الإنسان بربه، فلا اعترض عليه، بل لا أجرؤ! .
فرمضان هو شهر الرحمن و القرآن، و التقرب لله فيه واجب لا خلاف في ذلك.
أما أن يتحول الشهر إلى آلة بيد الرأسمالي، و السياسي، و المتدين لينتج كل منهم بها ما يريده حسب أهدافه، فلنا هنا وقفة، و ألف سؤال بلا جواب. كيف، و متى، و لماذا تحول رمضان إلى شهر رأسمالي بامتياز حيث الربح هو الهدف الأسمى؟
بالطبع أنا لا أتحدث هنا عن الربح الروحي، الذي هو المغزى الحقيقي لهذا الشهر. الشهر الذي اصطفاه الله من بين الشهور ليكون بداية تتجدد فيه النفوس و ترتقي، الذي جُعل لأجل أن نعيد به إنتاج ذاك الإنسان الجديد الذي سيعمر الأرض و ينهض بمجتمعه.
إنما أتحدث عن استغلال الدين و الأخلاق لتحقيق الأرباح، بدايةَ من الشركات التجارية التي تحرص على استغلال الوازع الديني لدى المشاهد في هذا الشهر؛ فتتحول فجأة المادة الإعلانية فيه إلى مادة إعلامية هادفة؛ فتصبح الكولا مشروبا يجمع العائلة و الجيران و الحي على مائدة الإفطار. مرورا بالبنوك التي تصبح بين ليلة و ضحاها مؤسسات أخلاقية هدفها بناء القيم. و ليس انتهاءً بالحكومات التي تستعرض رحمتها بشعبها، كما يحدث في المغرب عبر التبرع بأكياس الدقيق و قنينات الزيت، ليتحول الأمر من حقوق مواطنين، و من واجب حكومات و مجتمع مدني، إلى جميل نقدمه للفقير كل رمضان.
إنهم يستغلون جوعك و يستثمرون في صيامك على أكمل وجه!
كل ذلك- في رأيي- نتاجَ خطابٍ تسويقي زرع في المسلم فكرة العطاء الموسمي في هذا الشهر مقابل مضاعفة الأجر فقط، عوضا عن العطاء الدائم كواجب يومي لا يستقيم الدين بغيره، و لا ينهض المجتمع بدونه. فصارت علاقتنا بالفقير علاقة ربحية.. نتذكر الفقراء و الأرامل كل رمضان لأن رمضان شهر العروض لأن ميزان حسناتي عليه أن يمتلأ فينشط سوق العمل الخيري في هذا الشهر تحديدا، لأننا نتعامل مع الدين بمنطق الرأسمالي، بعقلية التاجر، بدلا من جعل الدين دافعا للتغيير، و عوضا عن أن نجعل هم المسلم في كل يوم هو مساعدة البشرية.
لا يكفي أن نقدم للفقير وجبة كل رمضان، دون أن نعلمه كيف يحارب فقره. لا تتطور المجتمعات بعمل خيري ترقيعي موسمي غايته أن نحس فقط أنّا فعلنا من الصالحات ما يكفي لعتق رقابنا من النار، عمل موسمي يدور في فلك مفاهيم ضبابية لمعنى العمل الصالح،الصدقة، الإحسان، حيث كل هذا يقتصر على موائد الرحمن و بعض تبرعات هنا و هناك.
رمضان هو شهر الله، لخليفة الله في أرضه، خليفته الذي يدرك عظم المعنى الحقيقي للاستخلاف، خليفته الذي يعي واجباته قبل أن يسعى لحقوقه، خليفته الذي لو عمل حقا بمقتضيات الخلافة لصلح حال الدنيا، و ارتقى حال الإنسان، فيه كما في غيره من شهور العام.
المصدر: http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2016/06/26/408226.html