hedi

بقلم الشيخ الهادي بريك

رجب الحرام هو شهر الصلاة بسبب أنها فيه فرضت على غير الطريقة العادية إذ لم يرض لها سبحانه سوى أن يدعو سيد العابدين في الأرض محمدا عليه السلام إليه دعوة خاصة لم يحظ بها ملك ـ نسبة إلى الملائكة لا إلى الملوك ـ أبدا ولا بشر قط وأوطأه عليه السلام الموضع الذي لم يطأه أمين الوحي ورئيس الملائكة جبريل عليه السلام. فرضت الزكاة والصيام والحج وكل شيء طرا مطلقا بطريق الوحي المعروف إلا الصلاة لم تكن بطريق أمينه جبريل عليه السلام بل كانت بالطريق المباشر في سدرة المنتهى. ألا يكفي ذلك لتقدير فريضة الصلاة؟ هي الأولى فرضا وهي الوحيدة في مكة قبل الهجرة وهي الوحيدة بطريق الفرض الإلهي المباشر لا بطريق الوحي المعروف وهي أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة أي بالتعبير المعاصر أول ملف يفتح من لدن قاضي السماء سبحانه أي للمؤمن وليس لغير المؤمن الذي يحاسب على الإيمان أولا.

لذلك ـ ربما بترجيح كبير جدا ـ كان رجب شهرا حراما لفرض حرمة الصلاة ذلك المعراج اليومي المتردد بين العبد وبين ربه بمعدل أقل من خمس ساعات على مدار اليوم وعلى مدار الحياة حياة المكلف حتى يلقى ربه تعالى.

ولذلك سميت عماد الدين بالحديث الصحيح.

الصلاة هل لها منافع قريبة ومصالح دنيوية. أجل وهذه نتف منها بحسب ما يسمح به المقام الضيق هنا.

1 ـ الصلاة مدرسة لليقظة وطرد الغفلة.

وذلك بسبب أنها تتردد علينا في كل خمس ساعات على مدار الحياة بل أقل من ذلك بقليل إذ لو قسمت خمس صلوات في اليوم والليلة على اليوم والليلة لألفيت أن المصلي يخر ساجدا لربه سبحانه وراكعا مرة كل أربع ساعات ونصف تقريبا. معنى ذلك هو أن الصلاة إنما جعلت لطرد الغفلة التي يتعرض إليها الإنسان بسرعة قياسية وهو يعافس الدنيا بمشاكلها وحلوها ومرها. لذلك قال فيها :” وأقم الصلاة لذكري “. أي أن المقصد الأول الدنيوي للصلاة هو ا لذكر والذكر هو ضد الغفلة والغفلة هي نافذة الشيطان إلى الفؤاد ونحن دون ريب قطعا في معركة حامية الوطيس مع من قال فيه سبحانه: إن الشيطان لكم عدو فأتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير “. لم نؤمر بإتخاذ شي عدوا أبدا إلا الشيطان. لو لم تكن الصلاة بتلك الوتيرة الحادبة لإفترستنا الغفلة أي لإفترسنا الشيطان أي لغلبت علينا شهواتنا وأهواؤنا وهي تأمرنا قطعا بالشر والضر ” إن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربي “. لذلك لا يستثقل الصلاة بوتيرتها السريعة إلا جاهل بأن الدنيا دار عبور لا بد من التزود فيها من محطات الوقود بالذخيرة الحية الكافية لمواجهة تحديات الدنيا الكثيرة. الصلاة محطة تزود بالذكر فمن تجاوز أي محطة دون تزود فقد عرض نفسه لنفاد الوقود ومن نفد وقود عربته هلك أو أوشك. الذكر ـ أي ذكر الله سبحانه بذكر رحمته وعظمته وغير ذلك ـ هو غذاء الأرواح بمثل أن للأبدان أغذية معروفة فمن عرض روحه للجوع لا يأمن عليها أن تتحول إلى سبع ضار مفترس لا تبالي بأكل مال هذا والبغي على هذه.

2 ـ الصلاة مدرسة للطهارة البدنية.

هذا معلوم إذ أنها لا تقام إلا بطهارة صغرى أو كبرى بحسب تعبيرات الفقهاء والطهارة الصغرى أي الوضوء معللة المقصد أي أننا نتطهر في تلك الأطراف الخارجية المعروفة ـ الوجه والرأس والأذنين واليدين والرجلين وغير ذلك ـ لأنها معرضة دوما لتلبس الجراثيم والأمراض وبتلك الدورية ندفع عن أبداننا مثل ذلك هذا فضلا عن الطهارة الكبرى أي الإغتسال. ذلك يعني أن الصلاة مدرسة تعلمنا الطهارة البدنية وتجعل لذلك محطات يومية إذ قال سبحانه : وجعلنا من الماء كل شيء حي “. المشكلة هنا هي أن بعض الناس بأثر من شغبات إنحطاطية لا يكنهون كيف أن الصلاة التي هي ذكر وتواصل مع الله سبحانه تحشر أنفها في قضية دنيوية أي طاهرة بدنية. من ينشأ عنده مثل هذا عليه أن يقول : الذنب ذنبي لأني لم افهم حق الفهم أو هو ذنب الإسلام. الإنسان عدو لما جهل كما قال العلامة إبن خلدون. ألم يقل عليه السلام :” حبب إليى من دنياكم الطيب والصلاة وجعلت قرة عيني في الصلاة “. اليس معنى ذلك هو أن يريد أن يعلمنا أن تقسيماتنا هذه دين وهذه دنيا هي تقسيمات من عندنا نحن. حبب إليه الطيب والنساء وهي شهوات دنيوية خالصة ولكن معها الصلاة. كيف تجتمع الصلاة مع الطيب و النساء. في المسيحية لا يجتمع مثل ذلك ولكن في الإسلام لا يجتمعان فحسب بل لا بد منهما معا لإقامة الدين وعمارة الدنيا. أليست الطهارة البدنية مصلحة دينوية عاجلة خالصة؟ من يحمق ليدعي أن الصلاة ذات مصالح أخروية فحسب. تلك هي شغبات المسيحية علينا إذ شغبت علينا بعض الأفكار المسيحية علينا حتى ونحن مسلمون. الصلاة مدرسة للطهارة البدنية وما يتبع ذلك من قص للأظافر ونتف للأبط وحلق للعانة وغير ذلك ومعنى ذلك هو أن الصلاة تهيؤنا لحياة طيبة ملؤها العافية والقوة ولو لم تأمرنا الصلاة بذلك ربما بخلنا وكسلنا وضننا على انفسنا بالماء وأسباب العافية. ومن ذلك كذلك السواك الذي قال فيه عليه السلام :” لو لا أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك في كل صلاة “. ذلك أن الفم أكثر الأعضاء تعرضا للجراثيم بسبب الأكل وغير ذلك.

3 ـ الصلاة مدرسة للجمال والزينة.

ذلك أن المصلي الذي يتهيأ لملاقاة ربه سبحانه مأمور بإرتداء خير الثياب وخير الزينة :” يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد “. الطيب والزينة والجمال والنظافة والطهارة والمكان العفو من القاذورات إلخ .. كل ذلك يعلمنا أن نكون في الحياة أهل زينة وجمال في البدن والثياب والمكان وغير ذلك. حرص الإسلام على نبذ الحد الأدنى في ذلك أي مبطلات الطهارة ومبطلات الستر أي إظهار العورة ولكن المطلوب هو طلب أقصى درجات الزينة والجمال في الصلاة حتى وهو عبادة خاصة خالصة. ليس ذلك كما نفعل نحن اليوم في صلاة الجمعة فحسب رغم أن صلاة الجمعة يطلب لها ما لا يطلب لغيرها بسبب واحد هو سبب لقاء الناس والسلام عليهم وربما حضنهم وغير ذلك والقرب منهم ولذلك شرعت الزينة والجمال والريح الطيب لعدم إيذائهم. من كل ذلك يظهر بجلاء ووضوح أن الصلاة مدرسة تعلمنا آداب التحضر ومفردات الترقي من تزين وجمال. ألم يقل عليه السلام :” إن الله جميل يحب الجمال “. الله يحب الجمال؟ هذه ثورة ثقافية فكرية لا قبل لنا بها. الله يحب الجمال؟ عجب عجاب. الله يحب الجمال والزينة في الصلاة؟ أمر غريب. غريب ولكنه في القرآن مباشرة مركوز. الذنب ذنب الإسلام أم ذنب أتباع الإسلام.

وإلى منافع أخرى في الصلاة …

من admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *