حين يعمل الغافلون، تنمو مظاهر الحياة، وتعمُر أسواق المادة، وتزّيَّن الأرض بالمنجزات المدنية: من عمارات وناطحات، ومن آلات وتقنيات، ومن مصانع و”مُولات” (المساحات التجارية الكبيرة)… ذلك أنَّ هؤلاء الغافلين العاملين اتخذوا الأسباب، وحرثوا الدنيا بالأفعال، وتفننوا، واجتهدوا… والقاعدة التي لا تخطئ أبدا في شأنهم، هي قوله تعالى: “ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها“؛ فلم يقل جلَّ من قائل: “لا نؤته منها”، مصداقا لقوله في آية أخرى: “كلا نمدُّ، هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك، وما كان عطاء ربك محظورا“.
أمَّا حين يكسل الراهبون، ويتعلَّقون بأستار الكعبة، ويلازمون مساجدهم، ويطيلون الركوع والسجود، ويُغرقون في تلاوة القرآن بلا تمثل لأوامره، ويمارسون الذكر اللساني المتواصل… دون أن يعملوا ويعلِّموا، ويجاهدوا ويجتهدوا، ويبنوا ويعمِّروا، ويتدافعوا ويدافعوا… فإنَّ دنياهم تتحول إلى عوالم روحانية لا حضارة فيها، وتؤول أمورُهم إلى أيدي أعدائهم، ويغمر الفقر أوصالهم، ويقصم الذلُّ ظهورهم وظهور قومهم وأهليهم…
د.محمد باباعمي