280885-1-or-1335246100
يعيش العالم في الحقبة الأخيرة تغيرات سريعة وهزات عنيفة ، ومع تطور وسائل الإتصال أصبحت المعلومات التي تصلنا يوميا كثيرة جدا وهو ما جعل واقعنا  يبدو متشعبا بتناقضاته وكثرة جزئياته وأزماته . أمام هذا الواقع يحق لنا أن نتساءل عن دور المؤمن في العالم وكيف يؤثر الإيمان على التعاطي مع الواقع ؟
يعيش المؤمن مع الكافر على نفس السفينة ، ويتعرض إلى نفس القضايا التي يتعرض لها غيره ، إلا أن ايمانه بالله والرسل واليوم الأخر يجعل تعامله مختلفا مع الواقع .
فالإيمان بالله يمنح الإنسان الثقة عند التعاطي مع الأحداث فيكون ايجابيا مهما بلغت الصعوبات والعراقيل    “ولا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون” إذ أن إيمانه برب رحيم حكيم لطيف قدير خبير عليم يمنحه الثقة بالحاضر والمستقبل ويشعره بالأمان و الأمل  مهما بلغت حلكة الواقع .
أما في أوقات الرخاء فالمؤمن لا يتقاعس أو يخمد لأنه”  لَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ”  فهو بين الرجاء والخوف يعمل وينتج ويبدع ويحسن في كل الظروف : لا يأس ولا خمول .
كما أن إيمانه بأن خليفة الله في الأرض يجعله يتعامل بمسؤولية تجاه كل مخلوقات الأرض ، وتجاه كل الأجيال ، فكل قضية إنسانية تهمه ، وكل إفساد في الأرض يزعجه مهما كان مأتاه و أيا  كان المتضرر منه .

أما الإيمان بالرسل ، فإنه يجعل المؤمن لا يتعامل مع الأحداث حسب ما يمليه عليه هواه  ، وانما هو يقتدي بمنهج الرسل في الدعوة إلى الله  و مقاومة الفساد و التعامل مع الناس ،  فهو يتخلق بخلقهم  ولا تكون ردة فعله خارج هذا المنهج مهما بلغ غضبه وتأثره , فيكون بذلك رحمة للعالمين اسوة بخاتم  الأنبياء.
فالمسلم له  قدوة جسدت كل معالم الهداية: في الأخلاق، في العهود، في المعاملات…والمطلوب هو الإستعانة بهذه القدوة لتحقيق التمازج بين عالم المفاهيم وعالم التطبيق.
من جهة أخرى , الإيمان باليوم الأخر يجعل من الموت ليس نهاية للحياة وانما إمتدادا لها ، إذ  كل ما يزرعه الإنسان قبل موته لا يتلاشى عند الموت وانما يجده في الأخرة ، لأن أعمال المؤمن حتى الدنيوية منها اذا  كانت خالصة لله يؤجر عنها يوم القيامة ، لذلك كان قول الرسول صلى الله عليه وسلم : إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها ، فهو لم يأمرنا بالصلاة أو الدعاء عند قيام الساعة وانما بتعمير الأرض ، فإذا تيقن المؤمنون بأن صلاح آخرتهم من صلاح حياتهم فسيسعون لإصلاح دنياهم فلا يرضون التخلف على ركب الحضارة .
يقول الدكتور محمد باباعمي * :
“كلَّما حاول الناس الفصل بين عالم الأسباب وعالم الغايات وقعوا في الانفصام، وكلَّما عمروا الدنيا وخربوا الآخرة، أو عمروا الآخرة على حساب الدنيا، خسروا الدارين معا؛ واعتبار الدنيا “مشهرا براقا لعرض تجليات الله تعالى”، و”موضع حصاد الزروع لحساب الأبديات”، وحجرة انتظار “للآخرة”… يدفع اإلى العمل الدؤوب فيها، دون الاغترار .”

إن المتأمل في واقعنا المعاصر  ، يلاحظ أن العالم الإسلامي يتعامل سلبية مع واقعه عكس ما بيناه سابقا ، هذا مرده حسب رأيي إلى الأسباب التالية :
– إهمال روح الإيمان مقابل إثقال العقيدة  بتعقيدات وجزئيات إختلف فيها المتكلمون  سابقا ليتبناها اليوم عوام المسلمين على أساس أنها أصول للدين . كلما أثقل الإيمان صعب القصد ، وكلما يسرت العقيدة وبسطت سهل ادراكها وتقويتها  وتطبيقها ، يقول الرسول صلى الله عليه و سلم :  “إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة .”  فالمؤمن مسافر إلى الله وكل مسافر إذا أثقل زاده بما لا يفيده صعب عليه السير .
– السلبية في الإيمان وألفصل بين الإيمان و العمل  وبين الشعائر والمعاملات في حين أن الإيمان كما ما بينه القرأن وألسنة  مقرون مباشرة بالعمل الصالح :
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا .
|إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا
 و الله لا يؤمن ، و الله لا يؤمن ، قيل من يا رسول الله ؟ قال : من لا يأمن جاره بوائقه .
والله لا يؤمن : قيل من يا رسول الله ؟ قال : من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم .
– غياب روح المسؤلية تجاه قضايا المجتمع و قضايا الإنسانية ، في حين أن الله تعالى أمرنا بالشهادة على الناس ، ومن أول شروط الشهادة الحضور في قضايا الناس والقرب من مشاغلهم . أما ما نعيشه اليوم  فهو غياب تام للمسلمين في أكبر القضايا العالمية كقضايا البيئة و المجاعات  …
– إهمال الجانب الأخلاقي مقابل تغول الفروع الفقهية على التصور الديني ، حيث تجد من المسلمين من لا يبالي عندما يشتم أو يسب أو يغتاب أو يغش ولكنه  يقيم الدنيا ولا يقعدها على جزئية فقهية خلافية كقص الشارب و إسبال الثوب . وتجد بعضهم يحرص على الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في لباسه وهيئته وطريقة أكله  ونومه لكنه يهمل الجانب الأخلاقي فتراه شديدا على الناس يدافع عن الدين بالشتم والقذف في حين قال الله مخاطبا رسوله : “ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك” .
في الختام ، لا بد أن ندكر أن ألدين جاء لخدمة الإنسانية جمعاء ” وما أرسلناك إلى رحمة للعالمين ” ، ومتى كان دور المسلمين واشعاعهم غائبا عن العالم ، فإن ذلك دليل على تقصيرهم في تطبيق رسالتهم  .
———————————————————————–
* محمد باباعمي : القواعد الكلية لفقه الحضارة من خلال السيرة النبوية
شمس عروة

من admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *