• • مقدمة: “في تمثيل الإسلام في واقعنا”
• • المعنى: “عوامل التواصل مع الآخر”
• • الحالة الراهنة: ” التكوين والعواطف”
• • التوجيه القرآني: “كيف نقصد الصيدلية”
• • الداعية المطلوب: “عقل راشد وخطاب حكيم”
• • الخاتمة
المقدمة (تمثيل الإسلام اليوم مسألة وعي لا مسألة بلاغة ):
**************************
تعصف بالأمة الإسلامية اليوم من خارجها رياح عاتية ، فهي من حيث الموقع تقع في ما يعرف بمنطقة الارتطام بين قوى البر (بريطانيا وأمريكا) وقوى البحر الممثلة في روسيا …هكذا تعرفها الجغرافيا السياسية …وهي بخيراتها الكبيرة ( نفط وغاز ومواد خام وأسواق )تضع عبئا كبيرا على أهلها وتشكل مطمعا للقوى الدولية، هذا من جهة …أما من الجهة الأخرى فواقعها الحديث فيه الكثير من الضعف والتخلف وهي ضحية ثلاثية ( التخلف والاستعمار والتجزئة ) بما ورثته من الدول القطرية التي تحاول أن تجد أمنها الاستراتيجي بين كل هذه الإشكالات الكبرى …هذه المقدمة تضع عبئا ثقيلا على الخطاب الدعوي الذي يقوم كلسان ناطق باسم الإسلام فكل كلمة قد تشكل فارقا على قضايا الاستقرار والتوازن في المنطقة وفي النسيج الوطني لكل قطر .
والوعي الإنساني اليوم ليس هو وعي الإنسان في ماضيات الأيام، فإحساس كل قوم بذواتهم وهوياتهم القومية والدينية والعرقية وبحقوقهم الإنسانية ،على مختلف الأعراق والملل ، لم يعد خافيا على أحد ، فما كان مقبول في قرون مضت ، لم يعد التطور الإنساني يقره أو يستسيغه …وبالتالي فالخطاب الدعوي مسئول عن مخاطبة عصره وزمانه بما يليق بتطور الإنسان ووعيه .
ووسائل الاتصال اليوم غيرها بالأمس، فلم يعد الخطاب بحال من الأحوال محليا …لم يعد خطابا داخليا ضيقا معزولا، فالعالم اليوم تنتقل فيه الخطب والمحاضرات بسرعة حركة الالكترونات، وتصل لفضاءات راصدة تتبع ما ينتج وما يقال. وكم من قضية وزوبعة أحدثها شخص لم يكن يعلم أن مبلاغة، سيقود لمآلات وإشكالات عليه وعلى مجتمعه وأمته .
إن تمثيل الإسلام دعويا في هذا العصر ليس موضوع بلاغة ، بل موضوع وعي، والداعية غير الممكن من تصور العالم من حوله سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ووعيا عقليا .. يكون عبئا على الدعوة لا معينا لها. من هنا تتضح أهمية الخطاب الدعوي العاكس لعقل الداعية ووعيه .
المعنى (القدرة على التواصل مع الآخر مرهونة بالتحكم بالعديد من العوامل):
**************************
الخطاب الدعوي اليوم يمكن النظر إليه باعتبار الوسيلة التي يقدم بها (مشاهد ومكتوب ومقروء) وباعتبار موضوعاته (اجتماعية أو سياسيةأو اقتصادية أو نسكيه ) وباعتبار الشأن الذي يعالجه ( فردي أو عام …داخلي أو خارجي. …موجه للذات أو للآخر) وباعتبار عمقه (سطحي أم عميق) وباعتبار تفاعله (عقلي أم عاطفي) وباعتبار انفعاله (معتدل أم غاضب) وباعتبار نبرته (حادة أم معتدلة ) ومن محصلة ذلك تأتي فعالية الخطاب ودرجة مناسبته للحال والوضع .
الحالة الراهنة للخطاب الدعوي( ضعف التكوين مع شحنة الغضب):
**************************
لا يخفى على أحد اليوم تنوع الخطاب الإسلامي وصعوبة حصره في لون واحد والحكم عليه جملة، ولكن يمكن الحديث عن بعض الصفات التي يجب الانتباه لها في ضوء ما قد أسلفنا من الحديث:
ضعف الوعي العميق بالشأن السياسي والاقتصادي والأوضاع الدولية .. فثقافة الداعية في العموم تتوقف عندما يتعلمه في الكليات الشرعية، والتي غالبا ما تعيد إنتاج عصور سبقت في عقله بمقاربات منفصلة عن الواقع، مما يخلق تشوشا كبيرا في وعيه بالمحيط ، وبالتالي ينعكس ذلك على الخطاب الدعوي لا محالة، وبما أن الخطاب الدعوي يتجاوز في غالبه مسألة النسك للشأن العام، والذي هو بطبيعته أشمل وأعمق وأشد خطرا مما يتلقاه طالب الشريعة تكوينيا …وهو حين يقارب الشأن العام يتلقاه من خلال قراءاته الخاصة المجتزئة والمتأثرة بالمدرسة التي يتلقى منها وعيه بالخارج، فلا غرابة أن تحدث الفجوة الكبرى بين المأمول من هذا الخطاب وبين مخرجاته الفعلية .
ثقل شحنة الغضب المختزنة في كثير من الخطال الاسلامي المعاصر نتيجة إحباطات الواقع …فهو يقرأ عن تاريخ مجيد، ويجد أمامه واقع هزيل، وهو يقرأ عن العدل فيفتقده في واقعه، وهو يقرأ عن عظمة الشريعة ويجدها بعيدة عما يأمله وهو يحلم بالحرية فيجد أرضه تحت سيطرة القوى الاخرى وهيمنتها، وهو يحلم بنشر قيمه ويجد قيم الآخر تسبقه، وهو يحلم بأن تكون له اليد العليا فيجد أن نصيبه اليد السفلى، وهو فوق ذلك كله محتك بواقع يومي ينقل عليه مظالم تقع على أهل ملته، فينعكس كل ذلك في خطابه مع الذات ومع شركاء الوطن ومع الآخر البعيد من أصحاب الملل والديانات الأخرى .
التوجيه القرآني (صيدلية لا يحسن الأخذ منها سوى طبيب ماهر):
**************************
تنوع الخطاب القرآني بين اللين والحدة في عرض الدعوة على المخالف بحسب الحاله، وبحسب طبيعة الموضوع المعروض، وبحسب الوضع والزمان والمكان، وبحسب الهدف
فهناك توجيه مرجعي أساسي :
( وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن )، ( وقولوا للناس حسنا ) فهنا التصوير بليغ فعباد الله الذين يدعون إليه مأمورون باختيار الخطاب الموجه للناس كافة، بحيث يكون الأحسن والأفضل بما يناسب المكان والزمان والأشخاص واعتبار المآلات والنتائج …وبالتالي الداعية الذي يختار كيفما اتفق وبحسب حالته النفسية قد يضيع هذا التوجيه السامي الذي جاء بصيغة الأمر، والأمر يفيد الوجوب كما هو معلوم ما لم تصرفه قرينة، ويرى الطبري والقرطبي والشافعي أن هذه الآيات محكمة لا يعتريها النسخ .
وهناك توجيه بالقدوة وخطابها :
فهذا القرآن ينتصر ليهودي من مسلم موحد ( إنا أنزلنا عليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما )والقصة مشهورة … وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتصر ليهودي في قصة أبي حدرد المشهورة عندما أمره أن يرد دين اليهودي …وهذا عمر يضرب عمربن العاص وابنه، والراوي يقول ( كنا نشتهي أن يضربه ) في قصة ظلم القبطي.
وهناك توجيه عند الجدال والنقاش :
(أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن… إلا الذين ظلموا منهم…)
والأمر العام في القرآن الحاكم لتصور العلاقات الإنسانية ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) والآية رغم أنها وردت في مشركي قريش فهي من باب أولى واردة في أهل الكتاب وفي غيرهم، فالمعلوم أن مشركي قريش كانوا الأقرب والأشد عداوة من غيرهم، فما بالك بأناس بعيدين عنا! في ديارهم منهم من سمع، ومنهم من لم يسمع بالإسلام قط، ومنهم من سمع به اسما ولم يدركه معنا، ومنهم وصلته الصورة مشوهة، ومنهم من لم يلتفت لا سلبا ولا إيجابا، ومنهم من كره بقلبه ولم يظهر عداوة ولا خصاما، ومنهم من خاصم ولم يقاتل، ومنهم من حمل السلاح، أفيستوي عندنا هؤلاء جميعا بلا تفريق! .
التعامل مع المربكات ( الولاء والبراء في كتب العقيدة واللغة المستخدمة فيها وبعض رواشح الفقه المتداول):
**************************
ورغم نصاعة التوجيه القرآني السابق ووضوحه…ورغم نصاعة الممارسة النبوية وعظمتها… فصفاء فكر الداعية قد شابته أكدار شوهت المعاني، وغيرت التصورات، وانعكست على الخطاب، فدروس العقائد حين تتناول قضايا الولاء والبراء تسوقها باعتبارها قطيعة مع الآخر، بحيث لا فضاء فيها أو هكذا يخيل لمن يقرأ هذه الكتب وطريقة تفسيرها لآية ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ..)هي تتجاوز بكثير ما يقوله المفسرون في معنى الولاء، حيث نجد الكلمات المفتاحية للنص المفسر دالة على المعنى (يعضدونهم …ينصرونهم …يسرون إليهم بالمودة …يخبرونهم بأسرار المسلمين …) وهي كافية في الدلالة على المقصود، ولكن هنا سنجد لغة فيها الكثير من البغض العام، ويقاس فيها على قول إبراهيم عليه السلام لقومه ( وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء ابدا …) والبغضاء هنا عامة شاملة لكل مخالف في الدين عند هؤلاء النفر.هي لا تشمل فقط حالة كحالة إبراهيم الذي ألقي في النار، ولا حال محمد صلى الله عليه وسلم مع قومه الذين أخرجوه وقاتلوه، ولكنها تعم كل شيء! وهي بهذا التصور ناسخة لكل ما سبق من آيات، هذا من زاوية العقيدة. أما من زاوية الفقه فالأمر له تطبيقاته العملية (الإذلال والصغار، وجز الطرقات، والتضييق عليهم في الطرقات …) والداعية الذي يجد نفسه قد تشرب البغض للمخالف وتقررت صورة التعامل معه من ما قرأه وتداوله. يقرأ آيات الحكمة والموعظة الحسنة ويضعها في خلفيات عقله دون أن ينتبه لنتائج الإعراض عنها. إن قراءة القرآن مجزئا تورث فهما خاطئا، وهو بسبب انتشاره، وكثافة إنتاجه في واقعنا، يجعله الأصل ويجعله غيره هامشيا! فآية الصغار تقول(حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) أي لا تؤخذ الجزية من غير القادر رأفة به، والصغار هنا يفيد معنى الخضوع للدولة المسلمة، وتلك هي الدلالة اللغوية للمعنى، وحديث التضييق قد يرد عليه أنه كان في حالة حرب مع اليهود فأمر الرسول أن لا يسلم عليهم وأن يروا غضب المؤمنين، ولكن كل ذلك حول سقف الإسلام السامق في التعامل الإنساني …لسقيفة صنعها الفهم القاصر للدين والمتلون بفهم العصور، فنحن حين نقرأ النص القرآني نجد المحفوظ الرباني ، وحين نقرأ المنتج الإنساني نقرأ المحدود البشري بكل صوابه وخطأه.
الداعية المطلوب ( عقل راشد، وخطاب حكيم، وتفريق دقيق بين السقف والسقيفة):
مطلوب منه رؤية الصورة الكبرى للعصر وما حققه:
السؤال الكبير هو أي المجتمعات مختزن في عقل الداعية الذي ننتجه؟ وأي أولويات ترتبت في عقله!؟ أهي العدل والمساواة والإحسان والرحمة، وأفضل ما بلغته الإنسانية من كمالات!؟ أم أن ذلك لا يشكل له هاجسا! هل يعتقد أن الدين جاء متمما لمكارم الأخلاق؟ وأن البشرية فيها من الخير والرشد قدرا محترما؟ أم هو يختزن في ذهنه صورة سوداوية لهذا الواقع!؟ فهو عالم يريد هدمه، وإعادة إنتاجه بمقاسات العصور الغابرة! ماذا تنتج لنا الجامعات من خريجين! أهم مستوفين لعلم الشريعة والواقع (مدرك للتاريخ، والسياسة، والاقتصاد، والاجتماع، وبناء المجتمعات) أم هو عقل مغيب عن كل ذلك يغوص في الماضي، ولا يعرف شيئا عن الحاضر! والداعية الواعي يقوم بتقويم ذاته، ويستكمل معارفه قبل أن يتصدر لمقام الدعوة وواجباتها .
عدم الاستسلام لسلطة الأقدمين أو المعاصرين المعنوية، فالخطأ وارد عند الجميع :
تلعب السلطة المعنوية للأقدمين، أو ذوي القامات العالية من أهل العلم دورا كبيرا في عدم تمرير هذه الأقوال على محكمة العقل ، ويتحول بسهولة تقدير أهل العلم لتقديس أقوالهم! فينقل الإنسان من أقوالهم ما يصدم بأبسط قواعد المعرفة والأقدمين مثلهم مثل كل البشر يقعون تحت مشكلة تنازع النصوص ظاهرا، واختلاف التفاسير، وغياب الفهم ألمقاصدي، ، وهي آفات كبرى تعترض مسيرة الدعوة الإسلامية، وهي آفات تضرب قلب المطالب القرآنية الكبرى ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) إننا يجب أن نميز بين السقف والسقيفة باستمرار، ولنضرب مثلا بقضية المرأة، فهي من السيرة في وعينا نموذجها الأعلى خديجة بنت خويلد ( سيدة أعمال، راجحة العقل، يعمل عندها الرجال ذوي القامات العالية كالمصطفى عليه الصلاة والسلام، تخطب لنفسها، وتختار نصرة مشروع تغيري كبير …) ذلك هو السقف لعصور ويأتي القرآن في خطابه ليساوي بينها وبين الرجل في الثواب والعقاب، ويعطيها حق البيعة والهجرة، وحقها في أن تستأمن، ويشركها معه في المسجد، ويجعلها موضعا للشورى، ويكلفها كالرجل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر…) هكذا جعلها سقف الإسلام! فكيف تناولتها السقيفة أو الفهم المتراكم عبر العصور!؟ حين نلتقي بنص مثل ( إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة….) ونقرأ في التفاسير شرحا لكلمة نعجة (بأنها المرأة، وبعد ذكر مجموعة من الحيوانات يعطي التفسير بأنها جميعا … ) وينصب رفض التفسير لهذه الآيات بهذه الكيفية!! على أن تفسير الآية في أكثر الكتب لا يليق بالأنبياء، ولكن لم يعترض أحد على وصف المرأة بمثل هذه الأوصاف، هنا يتجلى وعي العصور بالنص. فالنص- بذاته مستعل وسقفه مرتفع كيف وهو كلام الله!! ولكن السقف الذي صنعه الإنسان له، هبط حتى أخل بالكرامة الإنسانية للأنبياء! فكيف بالمرأة! أنظر وتأمل؟
عدم التسرع قبل معرفة القضية :
التدريب المستمر على تحرير موضع النزاع، أو كما يقول أهل المنطق معرفة القضية التي هي مثار الجدل. ففي كثير من الأحيان نجد نقاشا يدور بين طرفين يتحدثان عن موضوعان مختلفان. هذا يتحدث مثلا عن النهي عن البدعة بإطلاق، وذاك يتحدث عن قضية محددة، هل تندرج تحت مسمى البدعة أم لا تندرج؟ وتقوم حرب شعواء يتم تبادل التفسيق والتبديع والتكفير دون بينة ولسوء فهم .
التأكد من الإلمام بأطراف الموضوع :
فكلما ادخل الداعية في وعيه أن النصوص الجزئية لا تستقيم منفردة، بل يجب جمع النصوص التي تعالج ذات الموضوع، والتمييز بين النصوص المحكمة التي هي أم الكتاب، والنصوص الظنية التي لا يجب أن تصطدم بحال بقطعيات الدين ومسلماته كلما امن العثار.
الإخلاص لله وترك التعصب بكل إشكاله ما أمكن :
والإنسان ابن تحيزاته، وقليل من يستطيع التخلص من كل إشكال التحيز، وهو يقترب من الله أكثر إن انتبه لنوازعه الخاصة وتحيزاته، فهذا يتحيز لقومه، وهذا يتحيز لبلده وهذا يتحيز لطائفته، وهذا يتحيز لمذهبه، وهذا يبني قدرا من الكراهية في نفسه يمنعه من الإنصاف وقول الحق، وهي آفات تدمر الفرد، ولكن عندما يكون الإنسان داعية فهي قادرة على إشعال الحروب، وهدم اللحمة الوطنية وإراقة الدماء.
التأكد من درجة الحجية في البناء الاستدلالي :
فهناك الحجة البرهانية (بدهية، ومسلمة عقلية ) ، وهناك الحجة الجدلية (عندما تتحدد المرجعيات بين الأطراف) ، وهناك الحجة الخطابية التي ترجح عند صاحبها، وهناك الحجة الشاعرية التي هي معلوم كذبها وتقبل باعتبارها أدبا، والحجة الشرعية قد تصل للقطع، وقد تكون في أغلب الفقهيات هي من قبيل الظن الراجح عند صاحبه…وهي لا تستدعي خصومة ولا بغضاء.
الاحتياط في استخدام اللغة العدائية :
القارئ في كتب التراث يجد في أحيان كثيرة لغة كلها محتقنة، فيها الحدة مع المخالف، فكلمات مثل التفسيق والتبديع والتشبيه بالمجوسية والنصرانية واليهودية، بل والتكفير، ومع مداومة الداعية على قراءة التراث يكتسب لغة شبيهة في أحيان كثيرة. ولغة العصور تشكلت من خلال الضغوط التي تعرضوا لها، ومن خلال وعي تلك العصور بالاختلاف وسقفه، وأثره على مصائر الأمم، وهو وعي لا يمكن أن يقارن بما هو حاصل في هذا العصر من تقارب إنساني وأثر سلبي لمثل هذه اللغة على الإنسان والأوطان.
معرفة العصر :
لقد انتقلت البشرية انتقالا كبيرا في وعيها وفكرها وقدرتها على الفرز والنقل، والداعية الذي لا يلم بتطور الفكر الإنساني وما حصل فيه، ويكتفي بالموروث يفقد القدرة على توصيل الدعوة، ويمكن أن يكون خصما من الإسلام لا قيمة مضافة، حين لا يعلم في السياسة والاقتصاد والاجتماع، ونظم العمران وفلسفة التاريخ …يكون ضرره أكبر من نفعه مهما على شأن تقواه وورعه .
الخاتمة:
إن صناعة نهضة للأمة لا يمكن أن تتم باستنساخ عصور مضت دون تمحيصها، وسبر أعماقها، ورؤية الآثار الحسنة والضارة التي تركتها …فتدشين عصور حديثة هو أبن عمل شاق يضع مرشحات لنخل الأفكار الحية استجلابها للمستقبل وحجز الأفكار الميتة والمميتة في فضاءها التراثي دون انتقاص من أصحابها. إن الدعاة اليوم مسئولون عن مستقبل الأمة ومستقبل أوطانهم، وكلما استطاع الداعية معرفة عصره، وإدراك متطلبات النهضة، وشذب قدراته المنطقية كلما كان كسب الأمة أكبر وانتفاع الأمة به أكبر.
جاسم_سلطان