اقبل الصوم يا مسكين وكلنا مساكين وانت عاكف على ما يسخط الجبار مصر على الآثام والأوزار عامل بأعمال أهل النار متشبه بالنساك والأخيار وانت في جملة الفساق والفجار وقد اطلع على سرك وضميرك عالم الضمائر والأسرار وشهر الصوم شاهد عليك والملائكة تلعنك والله لا ينظر اليك وهو جل جلاله بإعراضك عن الطاعة معرض عنك غاضب عليك فلا تجعل أيها الصائم شهرك هذا كسائر الشهور والله سبحانه وتعالى ينظر من عبده اذا لم يرى اثراً لشهر رمضان من ملكه لجوارحه يقول جل وعلا : هذا عبدي لا يعرف لشهري هذا فضلاً وأنا اعلم الان له عندي فضلاً .
” ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ” (البقرة 183).
فيها أقوال كثيرة وأصحها أن المعنى : فرض عليكم الصيام كما فرض على الأمم الماضية التي سلفت من قبلكم قال مجاهد: هم أهل الكتاب .
روى عن سعيد بن جبير رضى الله عنه انه قال في قوله تعالى : كما كتب على الذين من قبلكم أنه كان كتب عليهم إذا نام أحدهم قبل الأكل لم يطعم شيء الى الليلة المقبلة وحرم عليهم أن يقربوا النساء تلك الليلة ورخص الله تعالى في ذلك لهذة البأمة .
وقيل إشارة الله تعالى بقوله : “كما كتب على الذين من قبلكم “الى الأمم الخالية وهذة الآية مدح لأمة محمد (صلى الله عليه وسلم) لأن ما من أمة ولا نبي الا وقد فرض الله تعالى عليه وعلى أمته صيام شهر رمضان فآمنت به هذة الأمة وكفرت به سائر الأمم .
وقيل إشارة الله تعالى الى النصارى وكانوا قد فرض عليهم اذا نام أحدهم من بعد غروب الشمس حرم عليه الطعام والشراب وكان وطء النساء عليهم حرام حتى بعث الله محمداً (صلى الله عليه وسلم) رحمة لهذة الأمة وفرض عليهم شهر رمضان فبقى الامر على تحريم الطعام والشراب وكذلك تحريم وطء النساء حتى وقع اربعون رجل في الامر منهم عمر ابن الخطاب رضى الله عنه جامعوا نساءهم بعد النوم .
بستان العارفين ورياض السامعين – ابن الجوزى