طالب علماء الدين أبناء الأمة الإسلامية بإحياء ذكري الإسراء والمعراج بالصلاة والدعاء إلي الله, والعمل علي نهضة الأمة الإسلامية ولم شملها وتحقيق الأمن للمجتمع الإسلامي الذي تتعرض كثير من دوله إلي محن وشدائد تهدد استقراره.
كما طالب علماء الدين بالدفاع عن مسري رسول الله صلي الله عليه وسلم, والتكاتف والتعاون والوقوف معا يدا واحدة لإنقاذ المسجد الأقصي وحماية الأرض المقدسة ورد الحق لأصحابه, خاصة أنها أرض الإسراء التي تتعرض الآن لأخطر انتهاكات وعدوان, وأكد علماء الدين أن الإسراء والمعراج معجزة إلهية جاءت لتأكيد علمية الإسلام وإمامة الرسول الخاتم محمد صلي الله عليه وسلم للأنبياء والرسل وتحقيق وحدة الإنسانية.
وأكد علماء الدين أن ذكري الإسراء والمعراج تأتي في هذه الأيام والمسلمون غارقون في الاختلاف والتشرذم والفرقة التي نهي عنها رب العزة سبحانه وتعالي في أكثر من آية في كتابه الكريم حيث قال واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا….. كما نهي صاحب الذكري صلي الله عليه وسلم عن التشرذم الذي يؤدي إلي اضعاف الأمة وهوانها بين الأمم.
يقول الدكتور أحمد عمر هاشم, عضو مجمع البحوث الإسلامية ورئيس جامعة الأزهر الأسبق, تأتي ذكري الإسراء والمعراج علي الأمة الإسلامية هذا العام, وقد مرت بها بعض الأحداث والشدائد التي تذكرنا بالشدائد التي سبقت معجزة الإسراء, حيث كان رسول الله صلي الله عليه وسلم والمسلمون معه يعانون أشد المعاناة من أعداء الإسلام من المشركين الذين تربصوا بهم الدوائر, فجاءت رحلة الإسراء والمعراج تفريجا للكروب, وشرحا للقلوب, وقربا من الله علام الغيوب, بعد الشدائد والمعاناة لتثبت رسول الله صلي الله عليه وسلم وتطمئنه, وتثبت في قلوب المؤمنين الذين اتبعوه والطمأنينة فيوقنون بأنهم علي الحق, وأن دينهم الحق, وأن الله ناصر الحق لا محالة, بل كانت الآيات التي رآها رسول الله صلي الله عليه وسلم في هذه الليلة هي الغاية من هذه المعجزة كما قال الله تعالي: سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير.
وطالب الدكتور هاشم بسرعة تحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الدول الإسلامية, مؤكدا أن الدعوة إلي وحدة الأمة الإسلامية من أهم دروس الإسراء والمعراج, فمنذ الأزل أبرم رب العزة سبحانه وتعالي العهد والميثاق علي جميع الرسل والنبيين إذا ما جاءهم هذا النبي أن يؤمنوا به وأن ينصروه وأن يجتمعوا علي كلمته وألا يختلفوا عليه,وفي هذا دعوة إلي وحدة الأمة وعدم فرقتها, وقد طبق الله هذا العهد حين جمع الرسل في المسجد الأقصي وصلي رسول الله صلي الله عليه وسلم بهم إماما, إشارة إلي وجوب اتباعه والاقتداء به, وطبق هذا العهد حين جمع الله الرسل في الأرض, في المسجد الأقصي وحين جمعهم في السماوات, في كل سماء يرتقي إليها حيث يلتقي إخوانه من النبيين والمرسلين, ويرحبون به, وتتفتح له أبواب السماوات.
وحدة الأنبياء
وللإسراء والمعراج العديد من الحكم الإلهية العظيمة والدروس الجليلة التي يصفها علماء الدين بالمعجزات التي يجب أن نتدارسها ونقتدي بها, فالإسراء والمعراج يقدم لنا نموذجا جيدا لوحدة الأنبياء جميعا كما يقول الدكتور مبروك عطية, الأستاذ بجامعة الأزهر, فصلاة النبي صلي الله عليه وسلم بالأنبياء جميعا هي وحدة لهم في دعوتهم فالكل جاء بالتوحيد الخالص من عند الله عز وجل, الأنبياء إخوة ودينهم واحد يقول تعالي:وما أرسلنا قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون فصلاة النبي عليه الصلاة والسلام بالأنبياء إماما لها دليل ولها دلالة أن النبوة والرسالة قد انقطعت, فلا نبوة بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا رسالة ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين.
ويوضح الدكتور مبروك عطية أن صلاة النبي بالأنبياء جميعهم ووقوفه أمامهم إماما إنما هي رسالة لكل من لم يؤمن بمحمد ودعوته, رسالة تقول لكل من لم يصدق نبي الله كيف بك لا تصدقه وقد صدقه نبيك الذي آمنت به بل وصلي خلفه أيضا فهو خاتم المرسلين وأكرمهم, وجاءت معجزة الإسراء والمعراج معلنة مقام رسولنا صلي الله عليه وسلم ومنزلته عند ربه وأنه الوحيد الذي أطلعه الله علي آياته التي لم يرها أحد قبله وأنه الوحيد الذي حظي برؤية رب البرية سبحانه وتعالي, وتتجلي مكانته حيث كان في هذه الليلة إماما للأنبياء والمرسلين تطبيقا للعهد والميثاق الذي أخذه الله علي الرسل منذ الأزل إذا جاءهم خاتم الأنبياء والمرسلين, بأن يؤمنوا به وأن ينصروه, وأقروا وشهدوا وشهد معهم رب العزة سبحانه علي ذلك كما جاء في القرآن الكريم: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أقررتم وأخذتم علي ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين, فكانت إمامته للنبيين تطبيقا لهذا الميثاق, كما كانت إمامته لهم إعلانا لعالمية الإسلام, ورابطة الإيمان التي تجمع جميع الرسل وأتباعهم علي الحق, وتجلت منزلة رسول الله صلي الله عليه وسلم التي اختصه الله سبحانه وتعالي بها حيث كان الوحيد الذي كانت له هذه المعجزة وهو الوحيد الذي رأي الآيات, والوحيد الذي تجاوز سدرة المنتهي وتشرف بلقاء ربه وحظي برؤيته ما كذب الفؤاد ما رأي وهذا مقام كريم بوأه الله لخاتم النبيين الذي بعثه الله تعالي رحمة للعالمين, فأنقذ به البشرية, وأخرجها من الظلمات إلي النور.
مكانة بيت المقدس
وإذا كانت العديد من الدول العربية تموج بالأحداث الداخلية والمتغيرات السياسية فإن المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة يري أن إصلاح الأمة الإسلامية هو من أهم دروس الإسراء والمعراج, بهدف تنقية الأمة وتصفيتها ليظهر المؤمن الصادق من المنافق, والمحق من المبطل, من أجل أن يتوحد صف الأمة وتجتمع كلمتها, قال الله تعالي: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس فكانت اختبارا وابتلاء ليظهر المحق من المبطل والمخلص من المنافق وكانت دعوة إلي الوحدة فربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصي وبين دعوات الرسول والنبيين جميعا, وقد أفاءت الإسراء والمعراج دروسا بالغة وكانت معلما من معالم الإسلام تقوي ركيزة الإيمان والعقيدة في أرض الله وتظهر حقيقة الإيمان في قلوب الناس, فكانت بحق جديرة كلما أشرقت أيامها علينا, أن نستعيد وحدتنا, وأن نناشد أمتنا أفرادا وجماعات, وأمما وشعوبا وحكومات, أن يكونوا يدا واحدة كما وجه الإسلام إلي ذلك.
ويكشف المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة عن جانب آخر من جوانب الإعجاز الإلهي في رحلة الإسراء والمعراج,مشيرا إلي انها تأكيد لمكانة القدس في الدين الإسلامي كعقيدة من عقائد الإسلام,ذلك لأن الرباط الذي صنعه الله سبحانه وتعالي وليس البشر بين الحرم المكي الشريف والحرم القدسي الشريف هو عقيدة من عقائد الإسلام, وطالب الأمة العربية والإسلامية بالتكاتف والتعاون والوقوف معا يدا واحدة لإنقاذ المسجد الأقصي وحماية الأرض المقدسة ورد الحق لأصحابه, والعمل لنصرة المسجد الأقصي وفك أسره من المحتلين لمكانته الدينية والتاريخية العظيمة لدي المسلمين باعتباره أولي القبلتين وثالث الحرمين ومسري رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم.
أمة شاهدة
ويوضح الدكتور علوي أمين خليل, أستاذ الفقه بجامعة الأزهر, أن معجزة الإسراء و المعراج فيها من الدروس و العبر و العظات و الدلائل التي تعين الأمة علي استنهاض همم أبنائها الذين يريدون رفعة مستقبلها بين سائر الأمم, فحين يعلم ويدرك المسلمون أن أمتهم هي خير الأمم, إدراكا عمليا وواقعيا وليس نظريا, وهي أمة شاهدة علي باقي الأمم يستوجب عليهم أن يؤدوا رسالتهم بأمانة وإخلاص, فينشروا الحب والعدل والسلام و الأمن و الأمان بين الناس, متمسكين بما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في التعامل فيما بينهم أو في التعامل مع الآخر, قال تعالي ادع إلي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن وقال تعالي أيضا كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله………. وقال صاحب الذكري سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
وأشار الدكتور علوي خليل إلي أننا إذا كنا نعيش في هذه الآونة تحولا جديدا في مرحلة فارقة في تاريخ أمتنا من حراك سياسي لم نشهده من قبل فإن ذلك يستوجب علينا أن نضرب نموذجا في التعامل مع هذه المرحلة الحرجة مما يجعل الآخرين يقتدوا بنا, وذلك يدفعنا إلي أن نكون متحابين ومتعاونين بحيث لا يعادي بعضنا بعضا ولا يبغض بعضنا بعضا, علينا أن نتجه معا إلي ساحة الوفاق الوطني وأن ننشر ثقافة الحوار النافع المبني علي قبول الرأي والرأي الآخر متبعين ومقتدين في ذلك بآداب الحوار الذي جاء في القرآن الكريم وجري بين الأنبياء والرسل خاصة بوقائع الحوار الذي حدث بينهم في ليلة الإسراء والمعراج.