hedi

حياتنا ملحمة كفاحية ولا شيء فيها يستنبت بغير تأهيل وتخطيط و الإستثمار في الإنسان هوإمتحان تلك الملحمة و ليس ذلك كثيرا على صناعة الإنسان الذي يصنع بدوره الحياة.
سؤال الرؤية أو تحرير المشكلة.
بلادنا تعرضت على إمتداد أزيد من نصف قرن إلى خطة تجفيف لمنابع الهوية العربية الإسلامية وصلت في بعض الأحيان إلى إعلان الحرب المفتوحة ضد الإسلام في أبرز معاقده المعلومة بالضرورة مما عدّ في الدوائر المنصفة مفارقة عجيبة بسبب إحتضان بلادنا لأول معلم إسلامي علمي من بعد المعالم الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها أي المؤسسة الزيتونية التي تخرج من رحمها الولود أعلام عظام في مختلف المعارف والعلوم. خلفت تلك الحقبة الضروس تصحرا مريعا في العلوم الإسلامية إذ ظلت الدولة على إمتداد تلك العقود العجاف الطويلة قوامة على تهميش التدين الفكري المعتدل فأثمر ذلك تدينات مشوهة لعل أبرزها : التدين التقليدي وهو في دوائر واسعة منه أدنى إلى الخرافية الأسطورية والتدين السلفي المغشوش الذي يعدّ اليوم في أوسع دوائره عمقا يثمر التكفير والتفجير والتدين العالماني الليبرالي المتسيب وهو في دوائر مهمة منه أدنى إلى إستثمار الإرهاب لإستئناف تجفيف المنابع.
أسهم ذلك الإنقسام في تأخر البلاد عن اللحاق بركب الأمم المتقدمة بل إن ذلك يهدد الوحدة الوطنية إذ لا مجال لنهضة إجتماعية ولا إقتصادية ولا سياسية إلا على هوية وطنية يتكافل الدستور الجديد نفسه والمجتمع الأهلي على صونها.
تحرير الفكرة الأم للرؤية.
التخطيط لإعداد قيادات علمية ومعرفية وطنية جامعة تساهم في تجفيف منابع التجفيف السابقة وإستئناف حياة الإنتاج الفكري والثقافي توجيها وترشيدا في المساجد ومؤسسات الإعلام بكل أصنافه ومساحات المجتمع الأهلي وتأليفا وكتابة وتدوينا ونشرا وفنونا. ليس بمعنى إعداد خطباء وأئمة ووعاظ في الجانب الديني الشرعي فحسب وليس بمعنى إعداد قيادات مسجدية دعوية تربوية تعبوية فحسب ولكن المأمول تأهيل قيادات وطنية جامعة التكوين لا لينتصبوا مفتين ولكن ليساهموا من مواقعهم العلمية المعرفية المؤصلة دينا وواقعا معا في حماية الثورة وتحصين مسارها الديمقراطي حتى تتأهل إلى تحقيق أهدافها بالتدريج. قيادات تقاوم باللسان والقلم والمؤسسة والحوار و تصنع مناخا جديدا من التدافع على أساس سلمي يحفظ الوحدة الوطنية وينمي ملكة الحوار.
بصياغة نبوية قحة آسرة : التخطيط لإعداد عدول رواحل يساهمون في ترسيخ الهوية الوطنية لتونس دينا ولسانا وإدارة للأمر العام أي : الإسلام والعروبة والديمقراطية.
شرطان للرؤية التأهيلية.
1 ـ التجديد وليس التقليد. تيارت الفكر الإسلامي بعضها تقليدي وبعضها تبديدي يعيد التجربة الغربية وبعضها تجميدي شعاره : ما ترك الأولون للآخرين شيئا. التجديد الإسلامي قاعدته : الإتباع في الدين الموقوف والإبتداع في المساحات الحياتية الأخرى.
2 ـ تبني الدولة ولو شراكة لهذه الرؤية لضمان مساحة من الحرية وحياة مالية وقانونية.
فلسفة المادة التأهيلية منهاجا ومضمونا.
مركبات المنهاج.
1 ـ بناء العقل النقدي الكفيل بشق طريقه بين غرور كاذب و تواضع مزيف. ومن مقتضيات العقلية النقدية آلية المقارنة وإقرار سنة التعدد والقبول بها والإعتراف بمخرجاتها.
2 ـ بناء العقل الجامع الموضوعي لا الموضعي التجزيئي إذ الحياة مركبة لا أحادية البعد.
3 ـ بناء العقل المقاصدي الإستصلاحي الذي لا يجمد على وسيلة تجاوزها الزمان.
4 ـ بناء العقل الواقعي الذي ينشد حسن الأيلولة من خلال التنزيل ومن ذلك إعادة ترتيب التحديات العقدية والفكرية بحسب حاجات العصر وليس بحسب الحاجات الكلامية العتيقة.
5 ـ بناء العقل المنظم وفق التركيب القرآني ليعظم ما عظمه القرآن ويصغر ما صغره أي التسلح بفقه مراتب الأعمال أو فقه الأولويات سيما عند إزدحام التحديات كما هو حالنا.
6 ـ إستئناف مبحث مقامات التشريع وإعماله في الرصيد النبوي سيرة وسنة وحديثا ولا ريب في أن غياب ذلك المبحث هو المسؤول على كثير من التورمات الخبيثة.
7 ـ إعادة إحكام علاقات الوصل والفصل بين الشريعة وبين الفقه أن يختلط حابلها بنابلها فترتقي إجتهادات بشرية إلى مرتبة العصمة وتنحدر تشريعات إلى مربع الرأي.
8 ـ مباشرة الإجتهاد المقاصدي الإستصلاحي على أسس يحتل فيها الواقع مساحة أوسع وتجتنى منها قواعد أصولية مقاصدية إستصلاحية قطعية تعزر القواعد الأصولية الفقهية.
أهم مواد التأهيل.
1 ـ اللسان العربي بحسبانه المفتاح الأول لحسن الفهم ودقة الفقه تفكيرا وتنزيلا والتجهز بما لا يقل عن ثلاثة ألسنة أخرى من ذوات الثقل الواقعي والتأثير الكوني.
2 ـ القرآن الكريم على أساس تقديم الفقه الصحيح له ليكون بوصلة هادية تتميز بالموضوعية وبالمقاصدية وليكون حاكما على ما سواه من خلال محكماته التي هي أمه.
3 ـ إعادة ترتيب الرصيد النبوي بما يخدم التحديات المعاصرة والكبيرة التي تعم بها البلوى وخاصة فيما يتعلق بالسيرة التي هي أخصب مدرسة للإصلاح والتغيير.
4 ـ الفقه الإسلامي أصولا وقواعد ومقاصد ومراتب ومصادر لتفعيل مصادر فقهية فرض عليها التجميد فعزلت عن معالجة الوضع العام بدعوى أنها محل خلاف.
5 ـ التاريخ العربي والإسلامي والأروبي ومحطات أخرى مهمة بعين خلدونية تلتقط سنن النهضة وأسباب النكسة وليس سردا روائيا ينتصر لهؤلاء أو أولئك.
6 ـ فقه الإصلاح والتغيير معالجة مركبة من الدين والدنيا معا أي من المسطور والمنظور وهي الحلقة الفكرية التي شتتت شمل أكثر المصلحين حتى من المدرسة الفكرية نفسها.
7 ـ التجربة الغربية المعاصرة و مختلف معالجاتها وآثارها. قضايا العالمانية والديمقراطية والتعددية الدينية و الحقوق والحريات والأقليات والمرأة مازالت مساحات متفجرة فينا.
8 ـ قدر كاف من العلوم الإجتماعية والواقعية كعلوم السياسة والإقتصاد والإجتماع والنفس وكذا معارف المنطق والجدل والحوار لأجل مقاصد منها إعادة ترتيب التحديات الكبرى على أسس إسلامية وواقعية معا نبذا للإرتهان في تحديات تاريخية ولّت.
أكبر التحديات المطلوب من الرؤية التأهيلية معالجتها.
1 ـ تحدي التجزئة والإنقسام العربي والإسلامي المسؤول عن الجزء الأكبر من تخلفنا.
2 ـ تحدي الإحتلال الفكري الذي بنى له فينا قواعد مكينة نمّت قابليتنا له.
3 ـ تحدي الأحادية الذي وأد فينا قانون التعدد وسنة الإختلاف وناموس التنوع.
أي وعاء إداري وقانوني يحتضن هذا المشروع؟
لا بد من تحضين المشروع في مؤسسة مركزية عليا مستقلة أو ملحقة بوزارة أو أكثر وينتخب له ثلة من المتخصصين لوضع برنامج تعليمي تفصيلي وإدارة تضبط شروط الإنتساب ومدتها. ولا مناص أن يكون تناصفا بين الرجال والنساء ضمن عدد الطلاب.

الهادي بريك ـ مدنين ـ تونس

من admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *