رأينا في المقال السابق أن السبب الرئيسي لازدواجية الشخصية هو وجود منظومتين قيميتين متناقضتين في المجتمع: منظومة المسجد القائمة على القيم العليا والأخلاق و منظومة خارج المسجد مخالفة تماما قائمة على الانتهازية والمصلحة الفردية . يجب إذن تقليص هذه الهوة بين العالمين وذلك يقع في مستويات متعددة.
على المستوى الفرد :
يكون ردم الفجوة بين الاعتقاد والعمل بتفعيل العقيدة ، أي أن تتحول العقيدة الى سلوك واقعي يومي يتخذ أنماطا سلوكية مستقيمة منسجمة مع الفطرة الإسلامية ، حينها ستتحول هذه العقيدة إلى قوة لا تتأثر بفساد الواقع وانما لها تأثير عظيم عليه.
يتم تفعيل العقيدة باستشعار وتطبيق القيم والمبادئ التالية :
– الإيمان ليس مجرد تصديق سلبي انما هو محرك ودافع للفعل وبالتالي للتأثير الإيجابي في المجتمع. فهو “ذلك الوقود الذي يمكن له أن يعيد بناء العالم … ذلك الوقود الذي يجعل البعض يتنازلون عن كل شي في سبيل قضية يؤمنون بها” (1)
– تزكية النفس بصورة مستمرة: بمحاسبتها بصفة دورية والعمل على إصلاح عيوبها. كلما كانت النفس زكية كان تأثير الإيمان عليها أعمق وبالتالي يكون الفعل متناغما مع هذا الإيمان.
– عدم الفصل بين الأوامر التكوينية والأوامر التنزيلية، ونقصد بالأوامر التنزيلية الأحكام التكليفية التي جاء بها الوحي والتي تنقسم في الفقه إلى واجبات ومحرمات ومندوبات أما الأوامر التكوينية فهي المتعلقة بعمارة الأرض، وبنفع البشرية، وببناء الحضارة. فيجب أن يحس المسلم بالذنب و بالتقصير إذا فشل في دراسته ، أو تخلف مجتمعه ، أو استشرت الخصاصة و الفقر في وطنه.
– تغيير النظرة للشعائر: من واجبات نقوم بها على هامش الحياة لنكفر عنها السيئات التي اقترفناها في سبيل النجاح، إلى وسيلة للتزكية وتغيير السلوك للنجاح في الحياة على المنهج الذي يرضي الله تعالى.
– التخطيط: عندما نقرر تغيير أنفسنا لا بد لنا من تحديد خطوات هذا التغيير ، وإلا سيبقى التغيير مجرد أمنية ، لا بد أن نحدد مراحل قصيرة وبعيدة المدى للوصول إلى هذا الهدف.
– العمل الجماعي : عندما يعمل الفرد في جماعة، يكتسب قوة وشعورا بالنُصرة والتآلف وهو ما يساعده على تخطي عقبة نفسه وعقبة المجتمع.
مثلا: الشاب أحمد اقتنع أن إيمانه لا يسمح له أن يترك حيه وسط هذه الاكوام من الفضلات فقرر أن يخصص ساعة في اليوم لإزالتها، إلا أنه مع مرور الوقت بدأ يمل خاصة وأن الوضع لم يتحسن كثيرا وأن لديه مشاغل أخرى. فوقف المشروع بعد أسبوع . لو كون أحمد لجنة مع بعض جيرانه للقيام بنفس المهمة لدام المشروع أكثر لأن التزام كل فرد عندها يكون أكبر وكل إخلال من أي شخص سيراقبه الآخرون، كما أن العمل في جماعة يعطي روحا وشحنة معنوية للفرد تحميه من الفتور. وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “عليكم بالجماعة فإن الذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية” (2)
دور الأسرة :
– علاج الإزدواجية في التربية : تجنب الإزدواجية أو المزاجية في التعامل مع الطفل.
– تسهيل القواعد المفروضة على الطفل وإعطاء المجال لرغباته الطبيعية في أن تتحرر وتترعرع ضمن حدود معينة.
– إختيار البرامج الصالحة للطفل وعدم تركه أمام التلفاز يستهلك كل ما يعرض .
– عدم تعارض أفعال الأبوين مع أقوالهما : من الضرورى أن يكون النموذج الذى يقتدى به الطفل نموذجا صالحا يعبر عن تلك القيم والمعايير التي تربى عليها لا بالقول فقط أو بالدعوة والإرشاد إليها، بل يجب أن تتمثل تلك القيم فى سلوك الوالدين. ومن هنا فإن على الوالدين الحرص على اتفاق أقوالهما مع أفعالهما خاصة وأن الطفل يتسم بنسبة ذكاء عالية جدا تمكنه من الملاحظة الدقيقة وعقد مقارنة بين الأقوال والأفعال ومدى التطابق بينهما.
دور المدرسة :
– أن يكون التعليم متكاملا في مناهجه ومضامينه ، وذلك بأن يكون النظام التربوي منسجما، ويدور حول محور أخلاقي ثابت، بحيث تتضح الرؤية لدى المربي، وينعكس أثر ذلك على التلاميذ.
– التركيز على التّربيّة الجماليّة، التي تهدف إلى تشكيل الذّوق العام للطفل، وهذا عن طريق جعل النّفس تستهجن وتنفر من كلّ قبيح، في الأقوال والأفعال، والمناظر والأشكال والأصوات والرّوائح، وفي المقابل تستحسن كل جميل وتسعى في طلبه وربط هذه التربية بالتربية الإسلامية و التربية المدنية حتى تكون كل هذه المواد متكاملة وحاملة لرؤية كونية واحدة.
– تقليص الهوة بين اللغة العربية والعامية : باستعمال لغة عربية سهلة وسلسة عند التدريس وعدم استعمال التراكيب المعقدة التي تنفر الطفل من استعمالها وتجعله يفضل العامية.
لا ننسى أيضا دور منظمات المجتمع المدني والإعلام والدولة في علاج هاته الظاهرة ، إلا أني في هذا المقال فضلت التركيز على الجوانب التي تخصنا مباشرة حتى يقوم كل بدوره قبل أن نطالب غيرنا به. والله ولي التوفيق .
——————–
1- أحمد خيري العمري: سيرة خليفة قادم
2 – رواه أبو داود وحسنه الألباني
بقلم شمس عروة