ودع يوم الجمعة الخامس من شهر رمضان (1432/2011) جمهور كبير من كل فئات المجتمع فضيلة الشيخ محمد علي الدلاعي إلى مثواه الأخير بمقبرة الزلاج بعد عمر مديد قضاه في خدمة القرآن حيث ظل إلى آخر أيام حياته المرجع والملاذ سواء كان ذلك للأفراد أو للهيئات في تدقيق وتحقيق النص القرآني وكيفية رسمه الرسم التوقيفي الذي ارتضاه علماء القرآن منذ أن وحد الأمة على نسخة واحدة من كتاب الله العزيز الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله وجازاه عن الأمة ودينها خير الجزاء فقد جسم في حيز الواقع العهد الإلهي الوارد في كتاب الله (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
وهو حفظ انبرى له علماء أعلام وهبوا حياتهم لخدمة كتاب الله تعلما وتعليما فكانوا المعنيين بقوله عليه الصلاة والسلام (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) إنهم أهل الله وخاصته وإننا لنحسب إن شاء الله شيخنا الجليل محمد علي الدلاعي رحمه الله وأجزل مثوبته من هؤلاء الذين نالهم شرف خدمة كتاب الله طيلة العقود الماضية.
لقد تفرغ رحمه الله لخدمة كتاب الله في جانب هام وحساس ودقيق من علوم القرآن ألا وهو كيفية رسم النص القرآني وكان في هذا المجال المرجع والملاذ إليه يعود الجميع وهل تصح قراءة وترتيل وهل يسلم نطق وهل يستقيم فهم بدون الاستناد على رسم مدقق محقق لآيات الكتاب العزيز.
ذلك هو ما تفرغ له طيلة حياته فضيلة الشيخ محمد علي الدلاعي رحمه الله وأجزل مثوبته تلقى هذا العلم على أيدي المختصين فيه من شيوخ جامع الزيتونة والذي ظل على مر العصور مقصد طلبة العلوم الشرعية يأتونه من كل مدن وقرى البلاد التونسية شمالها وجنوبها فيتخرجون الكثير منهم علماء أعلاما يملؤون السمع والبصر وينتهي عندهم كل جدل إنهم مصابيح هدى أشعت على هذه الربوع بالعلم الصحيح والرأي الحصيف والكلمة الطيبة.
جاء الشيخ محمد علي الدلاعي رحمه الله إلى جامع الزيتونة متزودا بما هو منطلق التحصيل الصحيح ألا وهو الحفظ لكتاب الله العزيز حفظا جيدا وظل محافظا عليه مستظهرا له عن ظهر قلب إلى أخريات حياته يؤم به المصلين في صلاة التراويح بجامع الحجامين بتونس العاصمة ذلك الجامع الذي تولى إمامته فضيلة الشيخ محمد الزغواني رحمه الله وأقرأ فيه كتاب الشفا للقاضي عياض وختمه أربعين مرة وكان من حوله صفوة من شيوخ العلم وكبار الحفاظ لكتاب الله العزيز الذين من أبرزهم فقيدنا العزيز الشيخ محمد علي الدلاعي الذي أضاف إلى إمامة التراويح إمامة الجمعة في جامع سيدي فتح الله بالأحواز الجنوبية كل ذلك إلى جانب إشرافه على لجان المراجعة والتدقيق لما يطبع ويوزع من مصاحف في البلاد التونسية، تولى هذه المهمة وأداها عن جدارة وكفاءة عالية منذ بداية النصف الثاني من القرن الماضي مع دور النشر والتوزيع الحكومية والخاصة. وما أصعبه من عمل وما أدقها من مهمة تفرض من القائم بها فضلا عن الحفظ عن ظهر قلب لكتاب الله العزيز والعلم بأصول الرسم القرآني الذي له خصوصيات ومصطلحات يعلمها أهل الذكر من المختصين مع صبر وتفرغ كامل لتدقيق كل كلمة وكل آية وكل جزء من أجزاء القرآن من أوله إلى آخره من نقط وشكل وغيرهما ذلك أن أدنى خطإ مهما كان بسيطا تترتب عنه إشكالات ونزاعات واختلافات يربأ كل مسلم بأن يكون القرآن منطلقا لها أو سببا لها!!
قام الشيخ محمد علي الدلاعي رحمه الله بهذه المهمة يكاد يكون بمفرده على الأقل في فترة من فتراتها وكان ذلك على أحسن الوجوه وأتمها وأكملها شكلا ومضمونا فكان امة برأسه رحمه الله وأجزل مثوبته.
وكان الشيخ محمد علي الدلاعي رحمه الله عضوا قارا في لجان التحكيم للمسابقات القرآنية المحلية والجهوية والوطنية والدولية وذلك إلى جانب شيوخ بررة مهرة بالقرآن نذكر منهم الشيوخ: محمد الهادي بلحاج وعثمان العياري ومحمد الخطوي دغمان وعبد الرحمان الحفيان رحمهم الله رحمة واسعة وجازاهم عن القرآن وحفظة القرآن من مختلف الأجيال خير الجزاء فقد حفظوا القرآن على أيديهم وأيدي إخوانهم الذين جاؤوا من بعدهم فهم يحفظون للشيخ محمد علي الدلاعي رحمه الله وإخوانه فضلهم فكان حزنهم على رحيلهم شديدا نظرا للفراغ الذي تركوه.
لقد كانوا زينة المحافل الدينية والمنتديات العلمية فكم نوروا بما في صدورهم وجرى على ألسنتهم من سور القرآن الكريم المجالس.
وكان لمدارسة الشيخ محمد على الدلاعي رحمه الله لكتاب الله العزيز وتفرغه له في حله وترحاله بحيث لا يكاد يفتر لسانه عن تكرار أحب الكلام إليه والى كل مسلم كما كان لعودته ورجوعه لأمهات كتب علوم القرآن والتفسير الأثر الواضح والجلي حيث تجمعت له حصيلة علمية تتسم بالدقة يشفى بها غليل كل سائل له أو مستوضح منه لمسألة من المسائل القرآنية.
وقد لازم الشيخ محمد علي الدلاعي رحمه الله القيام بالإرشاد والتوجيه للمعتمرين والحجيج طيلة السنوات الأخيرة إلى موسم حج 1432هـ كان يقوم بهذه المهمة على أحسن الوجوه وأتمها كل ذلك بعلم مدقق محقق مما اكسبه احتراما وتقديرا وقد تهيا لي أن اعرف ذلك منه في حج سنة 1431 حيث كنا في أيام الحج في نفس المخيم.
وكان الشيخ محمد علي الدلاعي رحمه الله مثالا للتواضع والخلق الرضي والدعابة البريئة مع ابتسامة لا تكاد تغادر محياه، لقد كان على خلق كريم يقف مع من يستوقفه ويلبي دعوة من يدعوه وكان مع صفوة من الحفاظ للقرآن الكريم ينتقلون إلى بعض البيوت فينورونها بأختام قرآنية تمتد في بعض الأحيان إلى مطلع الفجر تكون خاتمتها أدعية يرتفع بها صوت الشيخ محمد علي الدلاعي رحمه الله المتهدج مما يكسو هذه المجالس بالسكينة فيؤمن الحاضرون على دعواته الشاملة لخيري الدنيا والآخرة والداعية الله تبارك وتعالى أن يشفع القرآن في الحاضرين.
رحم الله الشيخ محمد علي الدلاعي رحمة واسعة وجعل درجته في الجنة بعدد ما معه من آيات القرآن الكريم. انه سبحانه وتعالى سميع مجيب
المصدر :
http://www.mestaoui.com/%D9%81%D9%8A-%D9%88%D8%AF%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF,810?lang=ar