infissam

يعيش مجتمعنا في السنوات الأخيرة تغيرات متناقضة في مستوى العقلية والسلوك ، فلئن تزايد عدد المصلين في المساجد ، وتنامت مظاهر الإلتزام الظاهرية كاللباس الشرعي ، وتزايد عدد المحاضرات والمواعظ في المساجد والإذاعات والفضائيات والإنترنت، فإن مظاهر الغش والرشوة والكذب والخداع والتقاعس في أداء الوجبات وعدم إحترام الإلتزامات  تنامت هي الاخرى وهو ما يفرض علينا الإجابة على هذا السؤال :لماذا لا تؤثر الشعائر والمواعظ في سلوك المسلمين؟ السبب حسب رأيي هو أن الشخصية المسلمة مصابة بمرض إزدواج الشخصية.

إذ نجد المسلم اليوم يتخبط بين الدين والدنيا ، يريد النجاح في الأثنين لكنه يصطدم بواقع إجتماعي يدعوه بكل قوة إلى التخلي عن قيمه الدينية لصعود سلم النجاح . ولهذا أصبح الفرد من اكثر الناس هياما بالمثل العليا ودعوة اليها في خطاباته وكتاباته ومجادلاته ولكنه في الوقت نفسه من اكثر الناس انحرافا عن تلك المثل في واقعه حياته . ولنا في التاريخ الإسلامي شخصية تعبر عن هذا المرض، إنه عقيلٌ أخ عليِّ بن أبي طالب، رضي الله عنه. فإنَّ عقيلا كان متذبذبًا، مائلاً مع مصلحته أنَّى مالت… وقد عبر عن ذلك صراحة: “إنَّ صلاتي مع عليٍّ أقوم، وإنَّ طعامي عند معاوية أدسم.”

أسباب إزدواج الشخصية :

– وقوع المجتمع تحت تأثير نظامين متناقضين من القيم : القيم الإسلامية وقيم المصلحية والإنتهازية وهو ما يدفع الأفراد إلى الإندفاع وراء إحدى النظامين تارة ووراء الاخر تارة أخرى.

– الانفصام التربوي داخل الأسرة: التذبذب في تربية الطفل وفي تعليمه المبادئ والسلوكيات فيعاقب الطفل على سلوك معين من طرف ويثاب على نفس السلوك من الطرف الآخر . بل أن الأمر يكون أخطر عندما يكون الطرف الواحد متناقضا في طريقة تربيته لابنه, فمرة يثني علي احدي التصرفات ومرة أخري يعاقب عليه ، وغالبا ما يترتب على إتباع تلك الأساليب شخصية متقلبة مزدوجة في التعامل مع الآخرين.

– الانفصام التربوي داخل المؤسسات التعليمية : تختلف الطرق التربوية في المؤسسات التعليمية في ما بينها كما تختلف عن تلك المتبعة في المنزل فيصبح الطفل مشتتا بين الاثنين: الأب والأم يقولون له افعل كذا وتقول له المعلمة لا تفعل هذا السلوك.

– دور الإعلام :إضافة إلي ذلك تلعب بعض  وسائل الإعلام  دورا سلبيا خاصة قنوات الأطفال التي تبث القيم الغربية بما فيها من تسيب ومادية وانتهازية . إذ يعجز الطفل عن الجمع بين ما يراه متناقضا بين معطيات الإعلام الثقافية وبين ما تربى عليه في نطاق أسرته من مبادئ وسلوك. هذا التناقض سيؤدي إلى إيقاع الطفل في حيرة نفسية واضطراب فكري، خاصة ان كثيراً مما تنشره وتبثه وسائل الإعلام لا يعبر عن تراثنا، ولا يتوافق مع ما يتربى عليه أبناؤنا من مبادئ وقيم، ولا يمثل عادتنا بل يتصادم معها ويخالفها. (1)

نسيان الهدف الذي من أجله خلقنا: لقد خلق الإنسان للاستخلاف في الأرض ، ولعبادة الله تعالى ، فالهدف من هذه الحياة أخروي. إن نسيان هذا الهدف من أسباب الإصابة بالازدواجية لأنّ تحول اهدافه من هدف أخروي قائم على عقيدة متينة إلى أهداف دنيوية تصاحبها قيم دينية هشة يؤدي بالمسلم إلى الهامشية والفوضوية في فكره وعاطفته وسلوكه، ويبقى سلوكه بالتالي متأرجحاً تتلاعب به التيارات و الأهواء.

– الانفصام اللغوي : إن إستعمال لغتين أو  أكثر في معاملاتنا اليومية : الدارجة ، العربية الفصحى وأحيانا الفرنسية حسب السياق يجعلنا نتقمص ثلاث شخصيات مختلفة. ” ونحن قد تعودنا أن نتكلم بلغتين: وكاننا بذلك نفكر بأسلوبين مختلفين، فنحن في حياتنا الإعتيادية نتكلم باللغة العامية الدارجة ولكننا لا نكاد نوجه حفلا أو نكتوب مقالا نبدأ بالتحذلق باللغة الفصحى، وبهذا فنحن نتقمص شخصيتين ونفكر على نمطين.” (2)

المواعظ العالية التي لا تراعي واقع الناس : كثير من الدعاة يطلبون من الناس بعض الأشياء الصعبة التي لا يصبر عليها إلا القليل من الناس، فمثلا إذا سئل احدهم أنا أعمل في بنك وأنا العائل الوحيد لعائلتي وبحثت عن عمل آخر ولم أجد شيئا ، يجيبه : عليك بترك العمل وسيعوضك الله خيرا منه. هذا النوع من الوعظ يريد من الفرد أن ينسى نفسه ويهمل آلامه ولا يكترث لضغوط المجتمع، وهو ما يضعه تحت ضغط شديد ينتهي عادة بالتمرد على الموعظة مع إبتكار حجة  ومبرر يدافع به عن  نفسه. ثم يصبح التمرد على المواعظ عادة بعد ذلك ، يسمعها ليتثقف وليرشد غيره لا ليتغير هو.

سنتناول في الجزء الثاني من المقال إن شاء الله الحلول العملية لمعالجة هذا المرض.

يتبع.

————————

1- محمد الغزالي : عقيدة المسلم

2- علي الوردي : شخصية الفرد العراقي

بقلم شمس عروة

من admin

لا توجد أراء حول “سلسلة من أمراض مجتمعنا : مرض إزدواجية الشخصية (1)”
  1. سلسلة مقالات جديدة يشرع في نشرها موقع الإسلام في تونس.
    تهدف إلى تحليل أهم الأمراض التي يشكو منها مجتمعنا وتقديم حلول لها.
    ركزنا على الجانب التربوي لبناء جيل سليم يكون جيل النهوض إن شاء الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *