بسم الله الرحمان الرحيم

 

الرأي الفقهي في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، وفي الترسيم فيها

 

يُعد الترسيم في الانتخابات وسيلة لإجراء الانتخابات. وحكمها هو حكم الوسائل المؤدية إلى المقاصد. وقد ذكر العلماء أن الوسائل لها أحكام المقاصد. وأنه “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”. وأن “ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام”.

والرأي الفقهي في الترسيم في الانتخابات أن ذلك يُعد وسيلة لازمة لإجراء الانتخابات واختيار من هو أفضل وأكفأ وأصلح لتكوين المجلس التأسيسي الذي سيضع الدستور، والذي سوف يرسم طبيعة النظام السياسي ومؤسسات الدولة ومفاصل حياة المجتمع ونمط عيشه.

واختيار الأفضل يقوم على أساس اعتبار قاعدة غلبة الظن في أن من يكون عضوا في المجلس يجب عليه أن يبذل قصارى جهده من أجل تقنين وترسيخ مبدأ كون الإسلام دينا للدولة والمجتمع، وكون العقيدة والأحكام والأخلاق الإسلامية أساسين لابد منهما في فكر وسلوك الشعب التونسي العربي المسلم.

وعليه، فإن أمر الانتخابات والترسيم فيها يُعد عملا مشروعا وتكليفا إسلاميا يرتقي إلى الوجوب الشرعي والإلزام الديني، وهو من التعاون على البر والتقوى، ونوع من أنواع الشهادة التي يمنع كتمانها، قال الله تعالى:(وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [البقرة: 283].

كما يُعد ضربا من ضروب الولاية الشرعية والولاء للمسلمين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى:( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[التوبة:71]. هذا فضلا عن كونه مظهرا من مظاهر تطبيق مبدأ الشورى وتداول الرأي فيما يجلب المصالح ويدرأ المفاسد.

وننبه إلى أن التخلي عن الانتخابات وعدم الترسيم فيها قد يكون ذريعة لإحداث الفراغ الانتخابي الذي قد يستغله البعض ممن يختارون غير الإسلام فكرا ومنهجا، وهو ما يضعف صوت الدين ومقاصد الشرع ومصالح المواطنين، وعليه يكون المسلم قد أسهم بصمته واستقالته في إضعاف المجلس التأسيسي، وتحريف مساره، وتهميش اختيارات الشعب التونسي لصالح فئة ممن يعارضون مقدسات الشعب وثوابت الإسلام وإسلامية تونس وعروبتها. كما قد يرتقي هذا الصمت والتخلي واللامبالاة إلى مرتبة الفعل المحرم بالتسبب، وإلى درجة الإثم العظيم الذي يزداد حجمه بتزايد نتائجه واتساع رقعته على صعيد الأجيال القادمة ومستقبل الأزمان.

إننا ندعو كافة الشعب التونسي إلى المبادرة والإسراع بالترسيم في الانتخابات واختيار الأفضل والأصلح وفقا لقاعدة اعتماد الإسلام دينا للدولة والمجتمع، وحماية عقيدته وشريعته ومقدساته وقيمه.

كما ندعوهم إلى إنجاح هذه التجربة الانتخابية الأولى في تاريخ تونس المعاصر، وإلى لزوم اليقظة والانتباه من أي تحريف أو تزييف، وضرورة التصدي لأي التفاف على الثورة أو استخفاف بكرامة التونسيين وحريتهم ودورهم في صناعة مستقبل تونس المشرق والواعد. قال تعالى: (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود:88].

 

 

الإمضاء
الجمعية التونسية للعلوم الشرعية

من admin

لا توجد أراء حول “الجمعية التونسية للعلوم الشرعية : الرأي الفقهي في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *