الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي

يقول ابن أبي زيد القيرواني

(ثم يخرج يوم التروية إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ثم يمضي إلى عرفات ولا يدع التلبية في هذا كله حتى تزول الشمس من يوم عرفة ويروح إلى مصلاها وليتطهر قبل رواحه فيجمع بين الظهر والعصر مع الإمام ثم يروح معه إلى موقف عرفة فيقف معه إلى غروب الشمس)

ينزل الحجيج وهم في طريقهم إلى عرفة بمنى فيصلون فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء (وذلك يوم الثامن) ويصلون صبح يوم عرفة بمنى ثم يمضون إلى عرفات ولا يتركون التلبية (لبيك اللهم لبيك) إلى أن تزول شمس يوم عرفة ويتوجه الحجيج إلى المصلى (كل ذلك عند الإمكان والقدرة) وإلا فعرفة كلها موقف ويستحب للحاج أن يغتسل قبل ذهابه لآداء صلاتي الظهر والعصر يجمعهما مع الإمام مع القصر ثم يتوجه إن استطاع إلى موقف عرفة فيظل الحاج واقفا على عرفات إلى أن يتحقق من غروب الشمس وإقبال الليل وينبغي على الحاج أن يتفرغ بقية يوم عرفة للدعاء والضراعة والمناجاة والطلب من الله بإلحاح وخضوع وخشوع وحضور كامل فهي لحظات لا يمكن تقدير قيمتها إنها ساعات إجابة وتكرم على امة محمد القادمين من كل فج عميق وهم شعث غبر كل شيء فيهم يعبر عن الفاقة والحاجة والتجرد والإخلاص لله في سبيل تلقي الهدية الثمينة التي لا تساويها أية هدية أخرى حيث يتجلى المولى جل وعلا على عباده من حجيج بيت الله الحرام ويشهد ملائكته بأنه قد غفر لعباده فيخرجون من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم إنه الحج المبرور الذي لا ثواب له إلا الجنة.

يقول ابن أبي زيد رحمه الله

(ثم يدفع بدفعه إلى المزدلفة فيصلي معه بالمزدلفة المغرب والعشاء والصبح ثم يقف معه بالمشعر الحرام يومئذ بها.)

بعد الوقوف على عرفات وبعد غروب الشمس والتحقق من ذلك يندفع الحاج إلى مزدلفة ويؤخر صلاة المغرب إلى حين الوصول إليها فإذا وصل مزدلفة وحط رحاله صلى المغرب والعشاء بآذانين وإقامتين يقصر العشاء ويبقى هناك إلى صلاة الصبح حيث يصليها ويجتهد في الدعاء عند المشعر الحرام ويجمع الحصيات التي سيرمي بها جمرة العقبة صبيحة يوم العيد وهي سبع حصيات أما بقية الحصيات فانه يجمعها من حيث شاء.

يقول ابن أبي زيد رحمه الله

(ثم يدفع بقرب طلوع الشمس إلى منى ويحرك دابته ببطن محسر فإذا وصل إلى منى رمى جمرة العقبة بسبع حصيات مثل حصى الخذف ويكبر مع كل حصاة ثم ينحر إن كان معه هدي ثم يحلق ثم يأتي البيت فيفيض ويطوف سبعا ويركع ثم يقيم بمنى ثلاثة أيام فإذا زالت الشمس من كل يوم منها رمى الجمرة التي تلي منى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم يرمي الجمرتين كل جمرة بمثل ذلك ويكبر مع كل حصاة ويقف للدعاء بإثر الرمي في الجمرة الأولى والثانية ولا يقف عند جمرة العقبة ولينصرف فإذا رمى في اليوم الثالث وهو رابع يوم النحر انصرف إلى مكة وقد تم حجه وان شاء تعجل في يومين من أيام منى فرمى وانصرف فإذا خرج من مكة طاف للوداع وركع وانصرف.)

ثم يتوجه الحاج إلى منى مسرعا ببطن محسر (وهو واد) فإذا وصل إلى منى يرمي الحاج جمرة العقبة بسبع حصيات (في حجم الفول) ويكبر عند إلقاء كل حصاة ثم ينحر هديه إن كان معه هدي ثم يحلق (وهو الأفضل بالنسبة للرجال) ثم ينطلق الحاج إلى مكة فيطوف بالبيت سبعة أشواط وهو طواف الإفاضة (الطواف الركن) ويركع عند المقام ركعتين ويعود إلى منى ليقيم فيها ثلاثة أيام وعندما تزول الشمس من كل يوم يرمي الحاج الجمرة الأولى التي تلي منى بسبع حصيات يكبر كل مرة يلقي فيها حصاة ويرمي بسبع حصيات الجمرة الثانية (الوسطى) يكبر كل مرة ويفعل كذلك في جمرة العقبة يكبر عند إلقاء كل حصاة ولا يدعو إلا عند الجمرتين الأولى والثانية ولا يقف عند جمرة العقبة بل ينصرف على اثر الرمي فإذا رمى الحاج في اليوم الثالث انصرف إلى مكة وقد تم حجه وان شاء تعجل في يومين على أن يكون خروجه من منى قبل غروب الشمس ثم يأتي الحاج مكة ويطوف طواف الوداع ويركع وينصرف.

يقول ابن أبي زيد رحمه الله

(والعمرة يفعل فيها كما ذكرنا أولا إلى تمام السعي بين الصفا والمروة ثم يحلق رأسه وقد تمت عمرته.)

يبين ابن أبي زيد كيفية آداء العمرة بعد الانتهاء من مناسك الحج فيقول أن مؤدي العمرة يأتي فيها ما يأتيه في الحج (الطواف سبعا وصلاة الركعتين والسعي بين الصفا والمروة ثم الحلق أو التقصير ويخرج المعتمر للتنعيم (مسجد عائشة) ليحرم من هناك.

وينهي ابن أبي زيد هذا الباب بمجموعة من الأحكام التي ينبغي على الحاج أن يكون عارفا بها حتى لا يفسد حجه وعمرته يقول:

(والحلاق أفضل في الحج والعمرة والتقصير يجزي ويقصر من جميع شعره وسنة المرأة التقصير ولا باس أن يقتل المحرم الفأرة والحية والعقرب وشبهها والكلب العقور وما يعدو من الذئاب والسباع ونحوها ويقتل من الطير ما يتقي أذاه من الغربان والاحدية فقط ويجتنب في حجه وعمرته النساء والطيب ومخيط الثياب والصيد وقتل الدواب وإلقاء التفث ولا يغطي رأسه في الإحرام ولا يحلقه إلا من ضرورة ثم يفتدي بصيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين مدين لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو ينسك بشاة يذبحها حيث شاء من البلاد وتلبس المرأة الخفين والثياب في احرامها وتجتنب ما سوى ذلك مما يجتنبه الرجل وإحرام المرأة في وجهها وكفيها وإحرام الرجل في وجهه ورأسه ولا يلبس الرجل الخفين في الإحرام إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما أسفل من الكعبين والإفراد بالحج أفضل عندنا من التمتع ومن القران فمن قرن أو تمتع من غير أهل مكة فعليه هدي يذبحه أو ينحره بمنى إن أوقفه بعرفة وان لم يوقفه بعرفة فلينحره بمكة بالمروة بعد أن يدخل به من الحل فان لم يجد هديا فصيام ثلاثة أيام في الحج يعني من وقت يحرم إلى يوم عرفة فان فاته ذلك صام أيام منى وسبعة إذا رجع)

  • الحلاق أفضل في الحج والعمرة ولكن التقصير يكفي ويكون من جميع الشعر والمرأة تقصر ويمكن للحاج وهو محرم أن يقتل الفأرة والحية والعقرب وما شابهها وكذلك الكلب العقور والذئاب العادية والسباع وما يشبه ذلك ويقتل الحاج المؤذي من الطيور كالغربان والحداة وينبغي على الحاج وكذلك المعتمر أن يجتنب النساء (الزوجة) وكذلك استعمال الطيب ولبس المخيط والمحيط بالنسبة للرجال وكذلك يجتنب المحرم قتل الدواب واتقاء الأوساخ وعليه أن لا يغطي رأسه أثناء إحرامه (بالنسبة للرجل) ولا يحلق شعره إلا عند الضرورة وإذا فعل افتدى بصيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين مدين لكل مسكين بمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شاة يذبحها حيث شاء والمرأة تلبس الخفين وتلبس ثيابها في إحرامها ولكنها تجتنب ما سوى ذلك من طيب وزينة وإحرام المرأة في وجهها وكفيها وإحرام الرجل في وجهه ورأسه ولا يلبس الرجل الخفين إلا إذا لم يجد نعلين فانه حينئذ يقطع أسفل الكعبين (من الخفين).
  • والإفراد بالحج عند المالكية أفضل من القران والتمتع فمن قرن بين الحج والعمرة من غير أهل مكة فعليه هدي يذبحه بمنى إن أوقفه بعرفة وان لم يوقفه بعرفة فلينحره بمكة. فان لم يجد المتمتع أو القارن هديا فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.

يقول ابن أبي زيد رحمه الله

  • وصفة التمتع أن يقوم بعمرة ثم يحل منها في أشهر الحج ثم يحج من عامه قبل الرجوع إلى افقه أو إلى مثل افقه في البعد ولهذا أن يحرم من مكة إن كان بها ولا يحرم منها من أراد أن يعتمر حتى يخرج إلى الحل.
  • وصفة القران أن يحرم بحجة وعمرة معا ويبدأ بالعمرة في نيته وإذا أردف الحج على العمرة قبل أن يطوف ويركع فهو قارن.
  • وليس على أهل مكة هدي في تمتع ولا قران.
  • ومن حل من عمرته قبل أشهر الحج ثم حج من عامه فليس بمتمتع ومن أصاب صيدا فعليه جزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل من فقهاء المسلمين ومحله منى إن وقف به بعرفة وإلا فمكة ويدخل به من الحل وله أن يختار ذلك أو كفارة طعام مساكين ان ينظر إلى قيمة الصيد طعاما فيتصدق به أو عدل ذلك صياما أن يصوم عن كل مد يوما ولكسر المد يوما كاملا.

  • والعمرة سنة مؤكدة مرة في العمر ويستحب لمن انصرف من مكة من حج أو عمرة أن يقول “آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده”.)
  • والتمتع كيفيته أن يحرم بعمره ثم عند الانتهاء من أدائها يتحلل منها ثم يحج في عامه وللمتمتع أن يحرم من مكة وليس عليه أن يخرج إلى الحل.
  • والقران بين الحج والعمرة يبدأ فيه بالعمرة شريطة أن تكون هذه النية قبل الطواف.
  • وليس على أهل مكة هدي في التمتع ولا في القران.
  • ومن حل من عمرته قبل أشهر الحج فليس متمتع.
  • ويبين ابن أبي زيد الأحكام الفقهية لمن يصيب صيدا في الحرم إذ عليه أن يتصدق بمثل ما قتل ومحل ذلك منى إذا وقف به بعرفة وإلا فمكة.
  • ويبين ابن أبي زيد في ختام هذا الباب الجامع لأحكام الحج والعمرة من كتاب الرسالة أحكام العمرة فيقول (والعمرة سنة مؤكدة مرة في العمر) ويختم بإيراد دعاء ماثور يستحب للحاج والمعتمر أن يردده فيقول: “آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده

نسال الله تبارك وتعالى أن يفقهنا في الدين ونسأله جل وعلا أن يجعل حجنا مبرورا انه سبحانه وتعالى سميع مجيب.

 

المصدر: www.mestaoui.com

من admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *