الشيخ حسن فرحان المالكي

الغرب عموماً وأميركا خصوصاً لا يعرفون حرية الرأي عندما يتعلق الأمر بإسرائيل أو المحرقة اليهودية (الهولوكوست)، هنا ينسى الغرب والولايات المتحدة حرية الرأي والتعبير والإنتاج.

. هنا يتم منع المحاضرات والكتب والأفلام والآراء، هنا تكون المحاكمات والسجون والغرامات ..إلخ.
لكن الغرب وأميركا هم قادة الحرية إذا تعلق الأمر بالإساءة إلى الأنبياء ومنهم النبي الخاتم محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، فلتتم هنا أبلغ الإساءات وأفحش الأكاذيب دون رقابة.
هذه الازدواجية يجب أن تنتهي.. إما بتحديد سقف لحريات التعبير والإنتاج وليتم إدخال الأنبياء فيها مع الهلوكوست على الأقل، وإما بفتح الباب على مصراعيه ويتم تناول المحرقة وإسرائيل والسامية ..إلخ!
إذن فمسؤولية الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً – إن كانت جادة في حرية الرأي والتعبير- أن تفتح الحرية مطلقاً، أو تضع سقفاً لحرية التعبير والإنتاج ولا أقل من أن تتوقف جهات الإنتاج عن الإساءات الغوغائية للأنبياء والرسل، أو على الأقل تكون هناك رقابة علمية من جهات علمية فلسفية – لا علاقة لها بنصرة الأديان ولا مهاجمتها- وإنما تناقش الأفكار ومدى صحتها قبل النشر.
نحن نؤمن بحرية الرأي والمعتقد والتعبير لكل إنسان، فلا إكراه في الدين، لكن الإساءات الغوغائية بقصد الإساءة وليس المعلومة تختلف كلياً عن القراءات الفكرية التي تختار طريق الإلحاد أو إنكار النبوات، فيستطيع أي فرد في هذا العالم أن يقول أنا لا أؤمن بإله ولا نبي ولا وحي وهذه أدلتي.. أما أن ينزل هذا الشخص أو تلك الجهة المنتجة في السفاهة والقصد الجرمي إلى مثل هذا الفيلم المسيء وأشباهه، فهذا لا علاقة له بالفكر ولا الحرية ولا الاختلاف ولا الكفر ولا الإلحاد، هو إساءة جرمية مقصودة فحسب (وقد شاهدت مقاطع منه، وفيه من المفتريات ما يستطيع المنصف ولو كان ملحداً أن يراها بوضوح)، فهذه مسؤولية الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، فما مسؤوليتنا نحن؟
مسؤوليتنا تنطلق من واجبين اثنين:
الواجب الأول: الإنكار بكل وسيلة ممكنة من مقالات وتظاهرات وقطع علاقات أو تخفيفها أو تجميدها ..إلخ، حتى يعرف الغرب وأميركا أننا لسنا أغبياء لننخدع بأنهم مطلقاً مع حرية التعبير، وإنما هم مع حرية التعبير النسبية، فليكن الأنبياء في تلك النسبية، وليتم تجنب الإساءة المتعمدة غير العلمية لهم، وهذا الواجب يقترن بواجب آخر وهو تجنب القتل والعنف، لأنه في ديننا (لا تزر وازرة وزر أخرى)، فما ذنب هذا السفير أو هذا المسؤول الغربي ليقتل؟.. كلا، لا تزر وازرة وزر أخرى، ومن دخل بأمان فلنطرده بأمان، هذا العهد عند الله عظيم، فلا يجوز الاستهانة به مهما بلغ غضبنا وإساءاتهم، للآية الكريمة (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، وهذه عظمة ديننا التي لا يعرفها ذلك القس ولا أولئك المتجاوزون.
والواجب الثاني وهو الأهم: أن نقوم نحن المسلمين بنقد الإساءات الملصقة بالنبي صلوات الله عليه على – مستوى الشخصية وعلى مستوى السيرة – التي تملأ تراثنا وإن كانت بلغة رقيقة وسبل ملتوية، لنراجع السيرة النبوية في كتبنا ومصادرنا ففيها الكثير من التشويه الذي ألحقه السلاطين ووعاظهم ومحدثوهم بالشخصية المحمدية، بل أجزم بأن معظم ما ينعكس في الغرب من صورة ذهنية مسيئة في حق النبي صلوات الله عليه هي موجودة في مصادرنا، سواء ما يتعلق بتلك الأحاديث والأحداث الباطلة المنسوبة لنبي الإسلام التي فيها تلك التجاوزات المتعلقة بالقتل أو الجنس أو القتل على المعتقد أو التعذيب.. إلخ، فهذه يجب نقدها بالعلم والحق مع تحديد المسؤولية عن وجودها في تراثنا الحديثي والفقهي والعقائدي والتفسيري.
ويتفرع من هذا واجب آخر وهو مراقبة سبب إهمالنا للنبي، معرفة وإنسانية وتفكراً، فالنبي هو المنفذ الأول للقرآن، فلماذا نجد المعرفة في القرآن ولا نجدها في الحديث؟ لماذا نجد الحرية في القرآن لا في الحديث؟ لماذا التفكر في المخلوقات (المادة) في القرآن لا في الحديث؟ من هو المسؤول عن غياب النبوة هنا، وإهمال القسم المعرفي والإنساني من النبوة الذي لا بد أن يكون موجوداً قطعاً، لأن النبي إنما ينضح عن القرآن وينطلق منه (إن أتبع إلا ما يوحى إليّ)، فمن المسؤول عن تغييب هذا القسم من (السنة والسيرة)؟ الجواب: هم أنفسهم من افتروا على النبي تلك الافتراءات، فمتى ننتبه لهذا نحن المسلمين؟
إذاً فهذا المشروع الحقيقي الاستراتيجي الذي يجب أن يعمل عليه المسلمون.
ونصرة النبي صلوات الله عليه لا تكون ضد الغرب فقط وإنما ضد من أساء إليه من المسلمين عبر التاريخ، فالصدق في نصرته صلوات الله عليه أن تكون ضد كل مسيء مسلماً كان أو غير مسلم، محباً أو مبغضاً، ذكياً أو أحمق، فكل إساءة يجب أن ترد بالعلم والمعرفة والبرهان وليس بالكتمان وحماية المسيئين، وليكن ذلك على أسس قرآنية وعقلية بل وروائية تأبى أن تنسب إلى النبي صلوات الله عليه تلك الأمور التي يستغلها الحاقدون من وقت لآخر.
فليسمح أحبار المسلمين ورهبانهم بالدفاع عن النبي (ص) في أراضي المسلمين، وعرض ما تم إهماله من علومه وسيرته ومعرفته وإنسانيته، فهم إما أن يدافعوا بالعلم والمعرفة والبرهان وينقدوا التراث (المسيس) الذي أساء إلى النبي (ص)- بإهمال كثير من محاسنه، وإضافة كثير من الإساءات إليه- أو ليتركوا من أراد الدفاع أن يتكلم، وأن ينشر حتى ولو كان ضعيفاً، وكما في الحديث (إنما تنصرون بضعفائكم)، فليتركوا للضعفاء أن يدافعوا إن عجزوا هم عن الدفاع.
أما أن يصدقوا إساءات هذا التراث (السياسي) إلى النبي صلوات الله عليه ثم ينكرون على من استغلها وزاد عليها فهذا يضعف مصداقيتهم كما ضعفت مصداقية الغرب في حرية التعبير.

المصدر:
http://www.alkuwaitiah.com/ArticleDetail.aspx?id=20507#.UFI3ylDiTw4.facebook

من admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *