alwani

لو سألنا القرآن المجيد عن وصف لأحوالنا؟ فقد يجيب القرآن المجيد: إنّكم -اليوم- قد بلغتم مستوى من التفرّق والضعف والتراجع والاختلاف، والاعتماد على الآخرين في كل شيء؛ طعامكم وشرابكم ولباسكم ودوائكم وسلاحكم ومبانيكم. فلو رأى خصومكم من منافقين ومشركين وملحدين وكفّار ووثنيّين الذين يزودونكم بهذه الضروريّات والاحتياجات من الطعام والشراب والملابس والسلاح ومعدّات البناء لعجزتم عن إطعام أنفسكم وستر عوراتكم، وانتعال أحذيتكم، وتوفير أدوية لأمراضكم ومرضاكم، وأدوات بناء لبيوتكم، وأسلحة لجنودكم ومن تطلقون عليهم شرطتكم وقوات أمنكم.

وإنّني  كتاب هداية أمرتكم ألاَّ تسمحوا للجوع أو العطش أو العري أو المرض أن يتغلغل في مجتمعاتكم؛ لقد اشتملت آياتي –لو أنّكم اهتديتم بها- واستضأتم بأنوارها على إيجاب السير في مناكب الأرض واستثمار خيراتها، واستخراج كنوزها وإعمارها، وأنطتُ بكم مسؤوليّة إطعام جياعها وسقاية عطاشها وإكساء عراتها، وإيواء مشرّديها بها، ومعالجة مرضاها، وحماية المستضعفين فيها.

مهمتكم «الوسطيّة والشهادة على الناس» فتنكّبتم صراطي السويّ، وأعرضتم عني وعن هدايتي. لقد ملأ الله -تعالى- أراضيكم من الخيرات والكنوز مَا كان يمكن أن يضعكم في الموقع الذي كان ينبغي أن تكونوا فيه: موقع الشهادة على الناس. فحرمكم جهلكم من استثمار ذلك -كلّه- وتلك خطيئة أخرى فلقد أمرتكم بالعلم والتعلّم، وأوضحت لكم: أنّ هناك«علوم تسخير» و«علوم تدبير» و«علوم هداية» و«علوم تنوير». وفي الآيات الأولى منّي نزولاً على قلب مُحَمَّد -صلى الله عليه وآله وسلّم- أمرتكم بقراءة الخلق والأنفس والآفاق، وقراءة التاريخ، وكل مَا تعلمته الأمم قبلكم، وجعلت العِلم دينًا وعبادة وأرشدتكم إلى مَا تميِّزون به العلم النافع من العلم الضار، وأمرتكم «بالجمع بين القرائتين»: قراءة في آياتي لتهتدوا بها في واجباتكم من الوفاء بالعهد الإلهيّ، والقيام بمهام الاستخلاف وحفظ الأمانة، والقيام بحق الابتلاء لتفوزوا إذا اهتديتم بالحياة الطيّبة في الدنيا، وبالجنة في الآخرة. وقراءة ثانية في الكون تتعلمون منها كيف تتعاملون مع المسخّرات التي سخّرها الله –تعالى- لكم، ولتقوموا بحق الاستخلاف وفريضة العمران. فأبيتم إلاّ إن تتنكّبوا الصراط السويّ، وتهجروا المحجّة البيضاء، فأبدلكم الله -تعالى- بالحياة الطيبة «معيشة ضنكا»، وصارت أيديكم سفلى تستجدي مَا عند الآخرين من بعد أن كانت عليا تمنح الآخرين وتغنيهم وتحميهم.

ولن تفارقوا هذه الحالة، ولن تفارقكم إلاّ إذا رجعتم إليَّ وتدبّرتم آياتي، وتلوتموني حق التلاوة، وتمسّكتم بي واعتصمتم بآياتي، فلعلّ الله -تعالى- يبدلكم من بعد خوفكم أمنًا، ومن بعد حيرتكم وانحرافاتكم استقامة وهدى، ومن بعد فقركم رزقًا حسنًا، ومن بعد تفرقكم واختلافاتكم ألفة وتآخيًا ووحدة واتحادًا يجعلكم كالبنيان المرصوص.

——–

د. طه جابر العلواني

http://www.alwani.net/2013-02-16-09-31-53/205-2013-01-23-15-47-49.html

من admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *