akaba

تقدم لنا سورة البلد على قصرها صورة حركية لهذا كله وأكثر  ..

إنها تصور الإنسان، عندما يكون فردا، عندما يتصور أنه وحده المهم ، عندما يعتقد أنه هو مركز الكون من حوله، عندما تتملكه تلك القناعة انه أهم شخص في حياته.. “أيحسب أن لن يقدر عليه أحد” لقد تصور ذلك فعلا وتلك هي مأساته، أهم جانب من جوانب مأساته أنه لا يعرف أنها مأساة، بل يتصور أن ذاته أعز ما يملك . إنه لا يرى أبعد من حدود ذاته. وهو يقيس كل الأمور بمنظاره. على الأخص بمنظار مادي يقوم كل شيء بحسابات الربح والخسارة البراغماتية المباشرة : ” يقول أهلكت مالا لبدا ” وهذا كل ما يهمه وكل ما يمكن أن يحركة : أنه خسر مالا هنا ، أو ربح مالا هناك ..

أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ” نعم كانت تلك الحواس دوما موجودة وهو يعرفها جيدا ويستخدمها بأقصى حدود يتخيلها ، بأقصى حدود حسيتها ..

لكن هذه المرة يأتي الخطاب القرآني ليذكر أن هذه الحواس عندما توظف بشكل كلي ، ستؤدي إلى أن تكون إدراكا يتجاوز حدود الحسيات التقليدية إلى ما هو أعمق منها .. إلى النجدين .. إلى الخيار بين مفترقي طريق  لا يمكن لإنسان أن يدركه لو بقي حبيسا في داخل قفص حواسه وفرديته ..

مالذي يحول دون الإدراك ، دون الإنطلاق ؟

إنها العقبة وعليه اقتحامها “فلا إقتحم العقبة

كيف ؟

 “فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ”

هذا هو إقتحام العقبة،هذا هو فن إقتحام العقبة التي تحول بين الإنسان وبين الخروج من فرديته ..

إنه العطاء، إنه التواصل مع انسانيتك عبر الخروج من الحيز الضيق الذي حبستك فيه فرديتك ..

إنه أن ياكون عطاؤك للآخرين ونفعهم هو أهم ما عندك وأغلى ما تعتز به في  كيانك وشخصيتك ..

ثم ؟

” ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ”

ثم كف عن كونه فردا .. كف عن كونه إنسانا حبيسا داخل عزلته ..

وانتمى للجماعة بأن إقتحم العقبة .

———

من كتاب الفردوس المستعار والفردوس المستعاد لأحمد خيري العمري

من admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *